في زحمة الحرب التي طالت سنواتها في اليمن، وبينما لا تزال أصوات المدافع ترن في بعض المناطق، وتتلاشى في أخرى، تبدو مأساة جرحى الجيش منسية ومخفية عن الأعين.
فبعد أن قدموا أجسادهم وأرواحهم فداءً للوطن، وجد هؤلاء الأبطال أنفسهم عالقين بين مطرقة الإصابة وسندان الإهمال والتنكر، في مواجهة مريرة مع واقع صعب ومستقبل غامض. وأصبحت معاناتهم صرخة في فراغ، لا تلقى آذاناً صاغية، ولا تجد من يستمع إليها، حيث بات الجرحى يفترشون العراء ويواجهون العجز عن توفير متطلبات أسرهم.
ومنذ أيام ينفذ جرحى الجيش في محافظتي تعز ومأرب اعتصامات مفتوحة تحت أشعة الشمس الحارقة وبرد الليل القارس، على أمل الاستجابة لمطالبهم، في مشهد ينبئ بتوسع رقعة الاحتجاجات التي قد تمتد إلى محافظات ومناطق عسكرية أخرى ما لم يتم إيجاد حل عاجل لهذه القضية.
وبينما تترسخ الهدنة الهشة في اليمن وتتراجع حدة الاشتباكات على الجبهات، تبرز مأساة أخرى في الظل. إنها مأساة جرحى الجيش، الذين قدموا جزءًا من أجسادهم فداءً لوطنهم، لكنهم اليوم يواجهون معركة جديدة ومستمرة مع النسيان والتهميش. فبعد أن كانوا رمزًا للتضحية والبسالة، أصبحوا اليوم مجرد أرقام في ملفات مكدسة، أو وجوهاً شاحبة تعاني في صمت.
وفي هذا السياق، حاولت رئاسة الأركان احتواء الاحتجاجات عبر مقترحات محدودة شملت صرف راتبين وتسفير عدد محدود من الجرحى المحتاجين للعلاج في الخارج، غير أن هذه المقترحات لم تلامس الحد الأدنى من مطالب المعتصمين، في مؤشر يعكس خللاً واضحاً في إدارة الدولة لملفات الحرب ونتائجها.
وقال الجرحى في بيان إن معاناتهم لم تعد قابلة للتحمل في ظل تدهور أوضاعهم الصحية والمعيشية، مؤكدين أن الكثير منهم بحاجة عاجلة إلى عمليات جراحية متقدمة وعمليات ترميم وتأهيل طبي لم تتكفل بها الجهات المعنية رغم الوعود المتكررة.
الأحزاب السياسية تتضامن
وأعلنت الأحزاب السياسية في تعز، تضامنها الكامل مع الجرحى وأسر الشهداء، مطالبة الحكومة بسرعة إنقاذ أوضاعهم المتدهورة وضمان حقوقهم المشروعة في الرواتب والعلاج والرعاية.
وقال بيان صادر عن أحزاب تعز، إنهم تابعوا بقلق تفاقم معاناة الجرحى وأسر الشهداء، خصوصًا مع تصاعد الأسعار وانعدام الرواتب، مؤكدة أن هذه الفئة قدّمت تضحيات جسيمة في سبيل الدفاع عن المدينة.
وأكد البيان أن حقوق الجرحى لم تُلبَّ بشكل كافٍ، وأن الشعب اليمني يقدّر تضحياتهم ويقف إلى جانب مطالبهم المشروعة، داعيًا الحكومة إلى إعطاء ملفهم أولوية قصوى.
وأثارت احتجاجات جرحى الجيش ردود فعل واسعة بين أوساط اليمنيين، منددين بإهمال المجلس الرئاسي والحكومة، عن رعايتهم وتوفير أبسط مقومات العلاج والعيش الكريم.
جرائم معلقة في رقاب القيادة العليا
وفي الشأن ذاته قال الخبير العسكري علي الذهب، إن حقوق جرحى الحرب الذين وهبوا أنفسهم فداء للجمهورية والوحدة، أمام ميليشيا الكهنوت؛ معلقة في رقاب القيادة العليا للدولة والجيش".
وأضاف "أيها الجندي يا كبش الفدا، يا شعاع الأمل المبتسم، ما عرفت البخل بالروح إذا طلبتها غصص المجد الظمي، بورك الجرح الذي تحمله، شرفا تحت ظلال العلم".
مقترح تشكيل هئية وطنية مختصة لشئون الجرحى
من جانبه قال وزير الإدارة المحلية اليمني رئيس اللجنة العليا للاغاثة السابق د.عبدالرقيب فتح إن "موضوع جرحى الحرب مشكلة مستمرة ومتجددة، مادامت الحرب قائمة".
وأضاف أمن ملف الجرحى لايتطلب حلول جزئية او آنية، ولايفترض عدم خضوعها للمزايدات، بل تتطلب الامر ايجاد حلول جذرية، لجان الجرحى فشلت في معالجة المشكلة رغم ملايييين الدولارات التي صرفت لها".
واقترح فتح ايجاد هئية وطنية مختصة لشئون الجرحى، تتواصل مع الجهات الداعمة لتوفير دعم للجرحى ومعالجالتهم في مستشفيات متخصصة، كما تقوم عبر الملحقيات الصحية ايجاد تواصل وبناء علاقات ثنائية مع المستشفيات الحكومية في عدد من الدول لايجاد معالجات ثنائية دائمة وحالات استضافة علاجية للجرحى.
تجار حروب
من جهته كتب المحلل السياسي عبدالناصر المودع، "على امتداد التاريخ، كانت الحروب تُصنع وتُروّج ويُستفاد منها من قبل شبقيّي السلطة والمال والجنس من عديمي الضمير والأخلاق، بينما يدفع ثمنها الفقراء والمغرر بهم ممن يُوهمون بأنهم يقاتلون من أجل قضايا عادلة، وأكثر هؤلاء يُدفعون تحت غطاء العقيدة الدينية".
وقال "بعد الحرب في اليمن، رأيتُ شبابًا من الجرحى؛ فقد بعضهم بصره، وفقد آخرون أطرافهم، وتشوهت وجوههم، وأصبحوا معاقين بشكل كلي أو جزئي. كان منظرهم يفطر القلب إلى حد أنني لم أكن احتمل النظر إلى ما آلوا إليه".
وأضاف "معاقو حرب اليمن، الذين استعرض حزب الإصلاح بعضهم قبل أيام لاستثمارهم في مشاريعه الخاصة، يقدّرون بعشرات الآلاف، فيما هناك مثلهم، وربما أكثر، قد امتلأت بهم المقابر التي ازدهرت وازداد روادها بفضل هذه الحرب".
وأفاد أن هؤلاء القتلى والجرحى ذهبوا إلى المعارك تحت وطأة الفقر والحاجة، أو بدافع الحماس والاعتقاد بأنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة. لكن الحقيقة أنهم جميعًا ذهبوا إلى حروب ليست حروبهم؛ بل حروب الحوثي والزنداني، وغيرهم، وبالتحديد من يقف خلفهم من خارج الحدود.
وتابع المودع بالقول "المجاهد" في أفغانستان مات من أجل مصالح دول كبيرة على رأسها الولايات المتحدة، وكانت أجهزة استخبارات "الكفار" والمسلمين تستخدمه أداة رخيصة في صراعاتها الكبرى".
واستدرك "المقاتل في حرب اليمن يموت ويُجرح لصالح تجار الحروب، صغارهم وكبارهم، والسياسيين المحليين ورعاتهم الخارجيين".
وختم المودع منشوره بالقول "يُوصف بالمجاهد والشهيد حين يموت لأجلهم، و"يموت فطيس" حين لا يعودون بحاجة إليه. هذه هي فلسفة كل تاجر حرب: إن متّ من أجلي فأنت شهيد، وإن متّ لصالح غيري فأنت تموت فطيس".
اهمال موجع
الكاتب الصحافي شاكر أحمد خالد، نشر صورة لأحد جرحى الجيش مبتور الأطراف وعلق بالقول "بالله عليكم في حكومة تدفع مثل هذا الجريح الذي وهبها أعز ما يملك، تخليه يخرج إلى الشارع مُطلِّب".
شرف مهمل
الكاتبة بشرى الحميدي قالت "هؤلاء هم جرحى الجيش الوطني، من فقدوا أجسادهم ليبقى الوطن واقفا، هم الذين تكسرت عظامهم، فقدوا أطرافهم وصحتهم وأعمارهم ليبقى الآخرون على كراسيهم، اليوم يجدون أنفسهم خارج حسابات الشرعية، التي حلفوا أن يحموها بأغلى ما يملكون لتبقى عتبت الوطن صامدة".
وتساءلت: كيف يمكن لحكومة تدعي تمثيل اليمنيين أن تدير ظهرها لأبطالها ؟ كيف تترك عائلات الجرحى تواجه الجوع والديون، تحتجز رواتبهم وتهدر حقوقهم ؟ كيف يصبح الجريح الذي واجه الحوثي بدمه مواطناً من الدرجة الأخيرة ؟
وأضافت "عليهم أن يعرفوا أن الجرحى ليسوا أرقاما على كشوفات مهملة، ولا أوراقا تنتظر توقيع موظف فاسد، الجرحى اليوم وقبل اليوم هم شرف المعركة وهم الدليل الوحيد على أن هذه الشرعية لا تزال تمتلك من يدافع عنها، الجرحى هم الهوية الباقية لهذا الوطن".
وأكدت أن ما يحدث اليوم ليس إهمالا فقط، بل خذلان سياسي كامل وإنهيار أخلاقي لا يمكن تبريره، كيف لهم أن يتحدثوا عن الدولة وعن الجيش وعن معركة المصير وهم يتنكرون لأبسط الحقوق، على الحكومة أن تعود إلى وعيها، وأن تدرك أن الجريح ليس عبئا بل هو أساس المعركة وأساس الشرعية وأساس الوطن ، وأن الحكومة التي تتجاهل أبطالها هي تفقد شرعيتها، كيف لها أن تحول جراح الحرب الى عبء إداري بدل أن تكون وساما يجب أن يصان".
وقالت الحميدي "جرحى الجيش حقهم واجب لايمكن تأجيله ولا الالتفاف عليه، والرواتب ليست منه ولا تفضل إنها الحد الأدنى فقط من رد الجميل لمن دفعوا ثمن الوطن أجسادا لاتنظير ".
وزادت "الجرحى اليوم لا يواجهون فقط آثار الحرب هم يواجهون حرب أشد قسوة حرب الإهمال البطيء ، أن يقاتل في الجبهة شيء، وأن يقاتل في المستشفى والبيت واروقة المكاتب الحكومية للحصول على حقه أكثر قسوه، أن يفقد طرفه او جزء من جسده دفاعا عن الوطن مؤلم لكن أن تفقد كرامته بسبب تقاعس المسؤولين فهو جرح أعظم".
وأكدت أن الجريح الذي خسر قدمه أو ذراعه لم يطلب امتيازا ، طلب حقه وأن تعترف الدولة بما قدم،وصمت الحكومة عن هذه المأساة، ليس مجرد تقصير هو رسالة قاسية لكل من يحارب في جبهات القتال، أن قاتلوا وإن جرحتم فهذه مشكلتكم, وهذه الرسالة أخطر على الوطن من أي طلقة، لأن الجيوش لا تنكسر بالسلاح هي تنكسر حين تشعر أن الدولة لا تراها.
ودعت الحكومة الى أن تعود إلى وعيها،وأن تدرك أن الجريح ليس عبئا بل هو أساس الشرعية وأساس المعركة وأساس الوطن ، أعيدوا للجرحى حقوقهم وكرامتهم ،فالوطن لا يبنى بالشعارات بل بمن يقفون ويدفعون الثمن وبمن ينصفونهم بعد أن يسقطوا.
الصحفي حافظ مراد غرد بالقول "
جرحى الحرب بين صراع المعاناة وإهمال الحكومة،
هؤلاء الأبطال كتبوا بدمائهم حكاية الوطن، واليوم يُتركون يواجهون جراحهم بصمتٍ وإهمالٍ موجع".
وقال "الوفاء لهم ليس منّةً، بل واجب وطني وأخلاقي تجاه من رووا تراب اليمن بدمائهم الطاهرة.
جرحى الوطن لا يطلبون المستحيل، بل حقّهم في العلاج والكرامة والعيش الكريم".
وزاد "من ضحّى لأجل اليمن لا يجوز أن يُترك فريسةً للجوع والإهمال".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news