حب اليمن إنتماء وولاء
قبل 1 دقيقة
اليمن ليست مجرد قطعة أرض نعيش عليها، وليست مجرد حدود مرسومة على الخريطة أو اسم يتردد في نشرات الأخبار اليمن روحٌ تتغلغل فينا، أرضٌ تورّث أبناءها العزة مهما أثقلتهم الجراح، وسماءٌ إذا غابت عنها السحب بقيت مملوءة بضياء الأمل. نقول دائمًا: اليمن غالية، لا لأننا نردد شعارًا وطنيًا مستهلكًا، بل لأن هذا الوطن يشبه الأم التي إن ابتعدنا عنها شعرت أرواحنا بالتيه، ولا نجد بديلاً عنها مهما حاولت الظروف أن تدفعنا إلى الهجرة أو الهروب.
حب اليمن ليس طارئًا ولا وليد لحظة. إنه إحساس يمتد إلى جذور عميقة في التاريخ، وإلى أسطورة الإنسان اليمني الذي وقف عبر العصور يصنع حضارته بيديه، ويواجه تحديات الطبيعة والسياسة والمصير دون أن يفقد هويته. فاليمن بلد البن الذي يسقي العالم نكهة الصباح، وبلد اللبان الذي عطّر طرق التجارة القديمة، وبلد السدود التي علمت الناس معنى البناء، وبلد الشعر الذي أنشدته القبائل قبل أن يعرف العالم معنى القصيدة. اليمنة هوية ثقافية وروح حضارية، لا يمكن لأي حرب أو أزمة أن تطمسها أو تقلل من بريقها.
إن الحديث عن صفات اليمن ليس سهلاً، فنحن أمام وطن تحيط به الجبال كأنها دروع، وتشقه الوديان كأنها شرايين حياة، ويحتضنه البحران ليكتمل جماله ويكتمل تفرّده الجغرافي. يمتاز اليمن بتنوّعه الخلّاب؛ من صنعاء القديمة التي تعانق السماء بهندستها العجيبة، إلى عدن التي تحمل عبق البحر ودفء الانفتاح، مرورًا بتعز وإب ولحج والحديدة والمهرة وحضرموت وسقطرى. كل محافظة حكاية، وكل مدينة تاريخ، وكل قرية نبض لا يشبه غيره. هذا التنوع ليس ترفًا، بل ثروة وطنية تشهد بأن اليمن أقوى مما يبدو، وأكبر من الاختزال في مشهد واحد أو صورة واحدة.
لكن حب الوطن لا يعني التغني به فقط، بل يعني مواجهة الحقيقة أيضًا. اليمن اليوم يعيش واقعًا مؤلمًا صنعته الحروب والانقسامات والصراعات السياسية التي أنهكت الإنسان قبل الأرض. ومع ذلك، فإن الإيمان بأن اليمن يستحق السلام هو الدافع الذي يجب أن يقود كل يمني، سواء كان في الداخل أو الخارج، نحو العمل لاستعادة الاستقرار وبناء دولة عادلة يعيش فيها الجميع بكرامة. لا يمكن لوطن بهذا العمق التاريخي والجمالي أن يبقى سجين الفوضى، ولا يمكن لشعب يحمل هذه القوة الروحية أن يقبل باستمرار نزيف الألم.
إن مسؤوليتنا اليوم ليست مجرد انتظار مبادرات سياسية أو حلول خارجية، بل أن نكون نحن أنفسنا جزءًا من عملية استعادة السلام. يبدأ السلام حين نؤمن أن الوطن أكبر من الانتماءات الضيقة، وأن اليمني أغلى من كل الحسابات السياسية، وأن مستقبل أجيالنا يستحق منا أن نضع خلافاتنا جانبًا ونلتقي في منتصف الطريق. فاليمن لن ينهض بالعناد ولا بالإقصاء، بل بالتفاهم والحوار وإعادة بناء الثقة بين جميع أبنائه.
نحن بحاجة إلى استعادة قيم اليمني الأصيل: الشهامة، الكرامة، حب الخير، ونصرة المظلوم. هذه القيم التي حاولت الحروب أن تمزقها لكنها لم تستطع أن تمحوها من قلوب الناس. اليمني الذي كان يفتح بيته للضيف، ويقف إلى جانب أخيه، ويغني للحياة رغم قسوتها، هو نفسه الذي سيعيد بناء وطنه مهما طال الظلام. فالضوء يبدأ من فكرة صغيرة، من خطوة واحدة نحو المصالحة، من كلمة طيبة، من مبادرة صادقة، ومن رغبة حقيقية في إنهاء دورة العنف.
إن إعادة السلام إلى اليمن ليست حلمًا بعيدًا، بل هي مشروع ممكن إذا توافرت الإرادة الوطنية. علينا أن نستعيد مؤسسات الدولة ونقويها، وأن نمنح التعليم والصحة والأمن أولوية قصوى، وأن نعيد بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب. كما يجب أن نمنح الشباب دورًا مركزيًا، فهم وقود المستقبل وحملة راية البناء، لا ينبغي أن نبقيهم عالقين بين البطالة واليأس، ولا أن ندعهم ضحية للاستقطابات أو الوعود الزائفة.
وفي الوقت نفسه، يجب أن نحافظ على وحدة اليمن أرضًا وإنسانًا، فالتقسيم ليس حلاً، والصراعات المناطقية ليست بديلًا عن الوطن الكبير. اليمن واحد منذ أن كتب التاريخ حروفه الأولى، وسيبقى واحدًا ما دمنا نؤمن بأننا أبناء وطن لا يعوض، وبأن البديل عنه هو الفقد والضياع.
في النهاية، اليمن ليست مجرد قصة نرويها، بل قدر نعيش من أجله. هي البيت الأول والأخير، والملاذ الذي نحمله في قلوبنا أينما ذهبنا. كل ما نريده هو أن يعود هذا الوطن كما كان: آمنًا، مزدهرًا، مليئًا بالحياة. سنعمل جميعًا من أجل سلامه، لأن اليمن غالية… وليس لنا غيرها وطن بديل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news