يمن ديلي نيوز – إسحاق الحميري:
تُوِّج الشاعر اليمني زهير الطاهري، مساء الثلاثاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني بجائزة البُردة للشعر الحُر في دورتها التاسعة عشرة، إحدى أرفع الجوائز الدولية التي تُعنى بجماليات الفنون الإسلامية، وذلك ضمن الاحتفال السنوي الذي تنظّمه وزارة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
الشاعر
الطاهري
في حديث مع “يمن ديلي نيوز” أشار إلى مشاركته في الجائزة والعوامل التي جعت قصيدته تفوز بالجائزة، وأهمية الجائزة، ومضمونها.
وقال: القصيدة التي فزت بها تحمل عنوان “تناص مع سلمان الفارسي” وهي تطرح رؤية شعرية تستلهم تجربة النبي صل الله عليه وسلم، في بناء مجتمع موحّد تتجاوز فيه العصبيات القبلية، وتُرسّخ فيه مفاهيم جديدة قوامها الدين والتلاحم الإنساني، بما يعكس قيمة تحرير الإنسان وتعزيز روح المجتمع الواحد.
وأضاف: القصيدة جاءت كمحاولة لإعادة قراءة تلك اللحظة المفصلية في التاريخ الإسلامي، حيث كان مشروع النبي صل الله عليه وسلم، يقوم على تشكيل مجتمع جديد يتجاوز الانتماءات الضيقة ويحتفي بالإنسان كقيمة عليا، وهي الفكرة التي حاولت القصيدة استحضارها وتقديمها في قالب فني معاصر.
الشاعر الطاهري أعرب عن سعادته الكبيرة بهذا الفوز. مؤكدًا أن جائزة البردة، جائزة راسخة ومرموقة ومختصة بسيرة النبي وتراثه الإنساني العظيم.
وقال: الجائزة تمثّل بالنسبة لي تقديرًا معنويًا استثنائيًا، خصوصًا أنها جاءت في “فترة شخصية شديدة الحساسية ما جعل وقعها عليه أكبر وتأثيرها أعمق، لتصبح ـ كما قال ـ “دافعًا قويًا لمسيرته الشعرية” ومشروعه الإبداعي.
شروط المشاركة
وأشار الشاعر الطاهر إلى مشاركته في المسابقة. وقال: شروط المشاركة في الجائزة كانت دقيقة ومتعددة، بدءًا من شرط الأصالة بأن تكون القصيدة مكتوبة خصيصًا للمسابقة ولم تُنشر أو تُشارك في أي مسابقة سابقة.
ومن شروط المسابقة التزام الموضوع بعنوان الدورة “التكافل والتلاحم الاجتماعي” المستمد من قول الله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”.
كما اشترطت اللجنة أن يتراوح طول القصيدة بين 20 و35 سطرًا، وهو ما تطلّب ـ بحسب تعبير الشاعر ـ “موازنة دقيقة بين التكثيف والاتساع” لضمان وفاء النص للمعايير الفنية والموضوعية.
للنبي الكريم
ورداً على سؤال “يمن ديلي نيوز” لمن يهدي هذا الفوز قال الشاعر الطاهري: أهدي هذا الفوز للنبي صل الله عليه “الرجل الذي غيّر مجرى التاريخ وأعاد تشكيل العالم بمنظومته الأخلاقية والإنسانية العظيمة”، معتبرًا أن استلهام سيرته لا يزال مصدر إلهام لا ينضب لكل شاعر وفنان.
معايير التحكيم
أما فيما يتعلّق بمعايير التحكيم، فأوضح الطاهري أنه لا يعلم تفاصيلها لعدم إعلانها من قبل القائمين على الجائزة، مشيرًا إلى أن ثقته ظلت دائمًا في قوة النص ذاته، بوصفه معيارًا فنيًا قادرًا على الدفاع عن نفسه أمام أي لجنة تحكيم.
وفي ختام تصريحه، قال الطاهري إنه لا يحمل رسالة أخيرة، واكتفي بما قدمه من تجربة ومشاركة، واعتبر بان النص الذي قدّمه هو رسالته الحقيقية، وأن دوره كشاعر يظل في أن يضع تجربته في نصه، ويترك للبقية أن يقرأوها ويستخلصوا منها ما يشاؤون.
وشهدت الدورة الحالية منافسة استثنائية، إذ استقبلت الجائزة 1326 عملاً من أكثر من 50 دولة، بزيادة وصلت إلى 23% مقارنة بالدورة الماضية، وتوزّعت المشاركات على الشعر العربي والخط والزخرفة. وحملت نسخة هذا العام شعار “التلاحم والتماسك الاجتماعي”، تأكيدًا لرسالة الجائزة في إبراز القيم الإنسانية المستلهمة من السيرة النبوية، وتفعيل دور الفنون في تعزيز التعايش الثقافي والاجتماعي.
ومنذ انطلاقتها عام 2004، كرمت جائزة البُردة أكثر من 390 فنانًا وشاعرًا من مختلف دول العالم، لتُرسّخ حضورها كمنصة عالمية تتقاطع فيها التجارب الإبداعية التي تحتفي بالتراث الإسلامي وفنونه الراقية.
“يمن ديلي نيوز” ينشر نص القصيدة
《تَناصٌ مع سلمان الفارسي》
أحدٌ أحدْ
أحدٌ أحدْ
هذا حُداءُ اللَّائِذِينَ بكَ
السلامُ عليكَ،
نبضٌ فرَّ من شَركِ المجازِ
إلى سمائِكَ،
واستجارَ بكَ،
استجارَ
بجلّنارِكَ
واستدارَ
على مَدارِكَ
واتقدْ
قلبيْ قبيلةُ عاشقين،
خلعتُ ذاكرتي وجئتُ إليك
لا متقلدا نسبا.. ولا حسبا..
وليس معي إهابُ
ولديَّ جرحٌ في الهويةِ مزمنٌ..
لكنما..
لابدَّ منْ قمرٍ
يحرِّرُني من الليلِ القديمِ
وينتهي هذا العذابُ
حدَّقْتُ
في كل الجهاتِ؛
لعلَّ نافِذةً ستُفْتَحُ،
أو لعلَّ حقيقةً ستُضيءُ،
أو تلويحةً زرقاءَ… يرسمُها شهابُ
بيدي مُنَمْنَةٌ،
وفي روحي قُرنْفُلةٌ
ومن حولي فَراغٌ كافرُ
والأرضُ أصغرُ من خطايَ
وكلَّما وَجَّهْتُ وجْهي صوبَ نافذةٍ
يُبدِّدُها السرابُ.. وكلما جاوزتُ ليلاً ما..
تولَّدَ آخرُ
فأعودُ من كل الجهاتِ إليَّ،
أبحثُ داخليْ عن شرفةٍ
حتى أحرِّرَ طائريْ المسجونَ فيَّ
أنا الأسيرُ الآسرُ
حتى لمسْتُك في دميْ شمسا
تُبَدِّدُ لي عمايْ
برقا تلألأَ في الضبابِ المحضِ
يُوقدُ لي رؤايْ
فرأيتُ…
كان الكائنُ البشريُّ
يَجْمعُ شملَه شجرا تَبرعمَ كالهلالْ
ورأيتُ كفَّك وهي مُلْتجأُ الحمامةِ
وهي مُلتجأُ الرجالْ
تمتدُّ من كل الجهاتِ
تلمُّ شعثَتَنا،
وتجمعُ ما تناثرَ في الرمالْ
تهمي على كل القلوبِ
تمرُّ ما بين الحتوفِ
تضيءُ من فوق التلالْ
وتعيدُ تعريفَ الجهاتِ
فلا أمامَ ولا وراءَ
ولا جنوبَ،
ولا شمالْ
(لا فرقَ بين الناسِ)
أنطقُها.. فتنهارُ الحدودُ
(لا فرقَ بين الناسِ)
أرسمُها.. فتنكسرُ القيودُ
في الليل، أقرأُها.. فينسكبُ الصباحُ من الذرى
وعلى جدارِ الرقِّ، أكتبُها..فيقرأُها الجدارُ مُبعثرا
فرأيتُ دالَك،
وهو يُصبحُ دولةً للعالمينَ،
قرأتُ ميمَك يا ملاذَ الخائفينَ،
وفي حِمَى الحاءِ احْتميتُ حَمامةً….
بَيضُ السَّلامِ هُناك في يَدِها تَأَلَّقْ
هو أحمدُ الأسماءِ، أجْملُها،
وحكمةُ ما أرادَ اللهُ في الدنيا،
ورحمتُه التي تسعُ الوجودَ،
وباسمِه الأبوابُ تُفتحُ،
والندى يهمي، وهذا الليلُ يُزْهَقْ
(أخلاقُه القرآنُ)
حُجرتُه الرضى
والعطرُ سيرتُه
ومن تمرِ الإخاءِ يداه أَغْدَقْ
يا ليتني في الغارِ كنتُ حمامةً
لأشقَّ بالأظفارِ حول خُطاه خندَقْ
والآنَ…
أنْطِقُه،
السلامُ عليك،
قلْبي فاضَ عن لغتي
فهَبْنِي فِضَّةً لا تَنْتَهي
واعذرْ رؤايَ
إذا تَعَثَّرَ أو كبَا فرسيْ على تلك الرُّبا
فأنا كما أسلفْتُ نبضٌ فرَّ من قفصٍ..
وجاءَك شاكيا
أتحسَّسُ اللغةَ الغريبةَ باليدين
وأحملُ اسمَك شُعلةً
وأسيرُ في طرقِ المدينةِ حافيا
وأصيحُ:
يا هذي المدينةُ،
ذَوِّبِيني تحت نافذةِ الصباحِ
لأستعيدَ ولادتي،
وأصيرَ منكِ، أصيرَ طفلَك بالتبنِّي؛
أرْضِعيْني منْ يديكِ،
أنا ابنُ يثربَ، قُلتُها؛ فرأيتُ ظِلّي
وهو يَجهشُ باكيا
لا ليلَ بعد الآن،
لا أصفادَ،
لا جدرانَ،
لا أقفاصَ،
أخرجُ للحياة كطائرٍ
وجدَ السماءَ مُؤخَّرا
فانثالَ فيها شاديا
وعلى خطى (سلمان)
أمشي في شوارعِها الكريمةِ
كلُّ نافذةٍ هنا وطنٌ
وكلُّ فراشةٍ خضراءِ من أثرِ الرسولْ
تَتَسَابَقُ الأنْفاسُ،
نحو الرَّوْضةِ الغَنَّاءِ،
يَرْتَجُّ المدى
والصُّبْحُ يَأخذُ شَكلَ بابٍ للدُّخولْ
فأرى انعكاسَ النورِ في حَجرٍ
وتَنْبُتُ وَرْدَةٌ فوقَ النحاسِ
أقولُ: (يُوجعني الحنينُ)
فأسْمعُ الْجُدرانَ في صَمتٍ
تُردِّدُ ما أقولْ
وهناك تَخْتَلِطُ الأَغَانيَ بالدِّموعِ
هناك تَمْتَزِجُ اللغاتُ،
وتَلْتقي الأضْدادُ،
تنهارُ الفواصلُ والنقاطُ،
وتَنْتهي الْجُغرافيا،
في لحظةٍ تُغري بمشهدِها الأبدْ
(الله أكبرُ)
ما أجلَّ هديرُها
عند اللقاءِ وما أشدْ
أتنفَّسُ الصعداءَ عند مقامِه:
يا سيدي،
لولا اشتعالُك في رؤايَ
لما وصلتُ إلى هنا..
ولكنتُ شيئا لا يُعدْ
أحدٌ أحدْ
أحدٌ أحدْ
مرتبط
الوسوم
الشاعر اليمني زهير الطاهري
جائزة البُردة للشعر الحُر
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news