الجنوب يطالب بحقه في الحياة
كتب/ عميد ركن بحري
عبدالكريم حسن مساعد الجعوف المالكي
لقد طال أمد التراكمات والتحديات التي تواجه الجنوب، وباتت الحالة الراهنة تتطلب وقفة حاسمة تتجاوز حدود الشعارات والخطابات العامة التي لم تعد تجدي نفعًا في ظل التعقيدات ، حيث تتطلب اللحظة الراهنة إرادة سياسية حقيقية وقرارات شجاعة وجريئة لانتشال الوضع والوصول إلى الهدف المنشود الذي يمثل تطلعات شعب الجنوب. إن بلوغ هذا الهدف لا يأتى إلا عبر خطوات تنفيذية مدروسة تتسم بالصرامة والحسم، وتتجسد أهم هذه الخطوات في ثلاثة محاور رئيسية يجب العمل عليها بالتوازي وبشكل فوري.
المحور الأول والأكثر أهمية يكمن في استكمال التحرير الفعلي والسيطرة الكاملة على مقدرات وثروات الجنوب. لطالما كان التحكم في الموارد الوطنية هو العمود الفقري لأي كيان سياسي واقتصادي مستقر. إن استمرار الوضع الراهن الذي يسمح بالتلاعب بهذه الثروات أو استنزافها من قبل جهات غير مسؤولة يمثل عقبة كأداء أمام أي محاولة لبناء دولة أو تحقيق ازدهار. القرار الشجاع هنا هو تأمين هذه الثروات بشكل مطلق ووضعها تحت إدارة جهة وطنية أمينة وموثوقة ومحاسبة. هذا يعني إنشاء آليات رقابية صارمة وشفافة لضمان عدم تمكن أيادي الفساد، سواء كانت داخلية أو خارجية، من العبث بها أو توجيه عائداتها بعيدًا عن خدمة التنمية الوطنية. إن استعادة السيطرة على الموانئ والمنافذ والموارد النفطية والغازية ليست مجرد مسألة سيادية، بل هي الشرط الأساسي لضمان استدامة أي مشروع مستقبلي للجنوب.
أما المحور الثاني، فيتعلق بإعادة هيكلة النسيج الاجتماعي والأمني للمحافظات الجنوبية، ويتجسد هذا في ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة بخصوص تواجد المجموعات غير المنتمية للجنوب. إن أي محاولة جادة لترسيخ الهوية الوطنية الجنوبية والحفاظ على الأمن الداخلي وتماسك المجتمع المحلي تتطلب مراجعة شاملة لواقع التوطين والوجود غير المنظم. القرار هنا يتطلب حكمة سياسية شديدة ليتم تنفيذه بما يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار العام، ولكنه يبقى ضروريًا لحماية النسيج المجتمعي والحد من الضغوط الديموغرافية والاقتصادية التي تفاقم من حدة الأزمات القائمة. إن استعادة المدن الجنوبية، وعلى رأسها عدن، لدورها كعواصم ومراكز إدارية آمنة، يتطلب تحديد الأولويات الوطنية العليا ووضع مصلحة أبناء الجنوب فوق أي اعتبارات أخرى، بما في ذلك طرد غير المرغوب بهم أو الذين يشكل وجودهم تهديدًا للأمن أو للموارد. هذا الإجراء ليس دعوة للتعصب، بل هو إجراء وقائي وسيادي يهدف إلى حماية الكيان المستهدف من أي اختراقات أو تدخلات خارجية عبر التوغل السكاني غير المنضبط.
أما المحور الثالث، والذي يشكل تتويجًا للخطوتين السابقتين، فهو الإعلان الفوري والعملي عن الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي للجنوب دون أي تأخير. إن المرحلة الانتقالية الطويلة التي مرت بها المنطقة أثبتت أن الحلول المؤقتة أو المشاريع الفيدرالية غير المحددة زمنياً تؤدي إلى استنزاف الموارد وإطالة أمد المعاناة. إن الإرادة السياسية يجب أن تترجم إلى واقع ملموس يتمثل في إعلان سلطة تنفيذية وإدارية ذات صلاحيات واضحة ومكتملة. هذا الإعلان يجب أن يتبعه مباشرة بناء المؤسسات الخدمية والقضائية والأمنية التي تضمن تفعيل هذا الحكم الذاتي على أرض الواقع. هذا القرار يمثل نقطة تحول لأنه يضع حداً لحالة الغموض السياسي التي استنزفت الجهود طيلة السنوات الماضية، ويتطلب التزامًا شعبيًا وسياسيًا واسعًا لضمان نجاحه واستمراريته.
من الناحية التوقيتية، يمثل الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين للاستقلال الوطني المجيد فرصة تاريخية ذهبية يجب استغلالها كمنصة لإعلان هذه القرارات المصيرية. إن تزامن هذه الخطوات الجريئة مع ذكرى تاريخية تعزز من شرعيتها الشعبية وتمنحها زخمًا معنويًا وسياسيًا لا يمكن تجاهله. إن الإعلان عن بدء مرحلة جديدة وواضحة المعالم في ذلك اليوم تحديدًا سيشكل رسالة قوية للداخل والخارج بأن الجنوب قد حسم أمره وأن مرحلة الانتظار قد انتهت.
ختامًا، إن المشهد الحالي يتطلب تحولًا جذريًا من مرحلة التوصيف والشكوى إلى مرحلة الفعل والتنفيذ. لقد أثبتت التجربة أن الكلام وحده لا يبني الأوطان ولا يؤمن الثروات. ما يحتاجه الوضع المعقد في الجنوب اليوم هو إرادة سياسية متماسكة وشجاعة لاتخاذ القرارات الثلاثة المحورية: السيطرة الكاملة على الثروات ووضعها تحت وصاية أمينة، إعادة تنظيم الحدود الداخلية عبر إجراءات حاسمة فيما يتعلق بالوجود غير المحلي، وإعلان الحكم الذاتي الفعلي والسريع. إن تحقيق الهدف المنشود يتطلب هذه الجرأة، ومن المؤمل أن تتجسد هذه الإرادة بعد احتفالات عيد الاستقلال، ليصبح ذلك التاريخ بداية حقيقية لمسيرة جديدة عنوانها الاستقلال الاقتصادي والسيادي الفعلي.
العاصمة السياسية عدن
17نوفمبر2025م
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news