بشرى العامري:
ظاهرة عجيبة في صفوف مناصري الشرعية تُعمّق حالة الإحباط القائمة أصلاً، فهناك هدمٌ لكلّ خطوة تخطوها الشرعية، وفي المقابل إبرازٌ وإعلاءٌ لكل فعل حوثي.
وكل متابع لمسار عمل ميليشيات الحوثي إعلاميا وسياسيا سيصادف هذه الفوضى العجيبة، بدءا من خطوات العمل السياسي ووصولا إلى مظهر طواقم عمل الميليشيات.
من يطّلع على مواقع أخبار الميليشيات وما تبقى مما تُسمى حكومة صنعاء يجد أمورا تثير العجب، لقاءات في مقيل قات، وعروض هزلية لمجاميع بائسة تشبه عروض كوميدية ذات خيال مريض.
خطاب مأزوم، وشخصيات في حالة يرثى لها. وطرح عقيم بفوح بالكراهية والعنصرية.
ومع ذلك، تلاحظ عشرات التعليقات من منتسبي الشرعية يصرخون: «شوفوا الحوثي كيف منظّم، شوفوا الذكاء، شوفوا التنظيم والدقّة»، وتكثر الإشادات العجيبة.
والاسوأ هو تكريس هذه الإشادة التي لا تتوقف من منتسبي الشرعية لكل فعل لا قيمة له يقوم به الحوثي فقط، ولنأخذ مثلا مجرد مشاركة لا قيمة لها للحوثيين في مؤتمر تموله إيران ويقام في قاعة حزب الله في بيروت، تجد الكل يصف ذلك بإنجاز عظيم ومدح لم يفكر به الحوثي نفسه، ويجدوها فرصة لتحقير كل نشاط للشرعية، بينما الحقيقة أن أي نشاط للخارجية أو لأي سفارة، بل وأي مشاركة للمجتمع المدني هو أهم بكثير مما قام به الحوثي، ولكن لا نقدر ذلك.
ومثل آخر، اتابع نقاش كله ضرب للعمل السياسي للشرعية، وحضورها الدولي، نجد من يصف الحوثي بأنه صاحب انجح علاقات دولية، بينما هو في الواقع ميليشيات منبوذة، ملاحقة ومصنف مجرم حرب، لا حضور له ولا قبول.
ومجرد تقرير لمنظمة أو سفرة لحوثية هامشية مثل رضية المتوكل، تجد سياسيين محسوبين على الشرعية، يقولون هذا عمل بألف سفارة والف وزارة وألف اعلام، بينما هو للإنصاف لا يصل إلى نشاط أي منظمة غير حكومية مناصرة لصف الشرعية ومناهضة للحوثيين، لكن لا نشيد بمن هو على الحق ظنا منا أنه لا يستحق، ونمجد الخصم الذي لا يستحق، بجهل مظنة أن ذلك يحفز صفنا بينما هو يهدم كل خطوة إيجابية.
وبنظرة لكلّ التغريدات أو تعليقات مجموعات الواتس آب التي تُنشر لدى منتسبي الشرعية في الرياض، أو تركيا أو القاهرة نجد ذلك جليا.
والأمر يطرح سؤالا مهما: هل يتمُّ ذلك بوعي لتدمير ما تبقّى من معنويات الشرعية، وتلميع صورة الحوثي الرديئة؟ أم هو الإحباط والجهل وطول الغياب عن أرض الوطن وحب البقاء في الغربة.
انا لا أطالب بتلميع الشرعية ولا أُشيد بها بلا نقد، لكن من باب الذكاء السياسي لا ينبغي ترويج صورة تُظهر الحوثيين كدولة حكيمة، فيما الحقائق والوقائع تؤكد كل يوم أن ميليشيات الحوثي جهاز قمع ممنهج، وبرنامجها يتلخّص في كبت الحريات وتعزيز القمع الشديد حدّ البطش، وجمع الجبايات وسلب حقوق وممتلكات الناس.
ما يحدث من تحطيم ممنهج لمسار الشرعية على يد محسوبين عليها يعود في تقديري، إلى سببين اثنين.
الأول: أننا أمام مجاميع لا يمكن الاعتماد عليها في استعادة مؤسسات الدولة، فكل النضال في نظرهم يقتصر على البقاء في الغربة والوصول لكشف الإعاشة، والبقاء في كشف مشاورات الرياض، والمهام تنحصر لدى الكثيرين في نشر تغريدة هنا أو منشور هناك وفق التوجيهات، ثم التفرّغ لانتقاد المؤسسة الشرعية ظنا منهم أنهم في أمان بعد كيل المديح وتأدية ما يرونه واجبا لضمان استمرار صرف الإعاشة والمعاش.
والثاني: أننا أمام خلايا ناعمة وهذه مصيبة عظيمة.
وفي المحصّلة، فإن معركة استعادة الدولة لا تُحسم بالصوت العالي ولا بتضخيم الخصم، بل بإحياء الثقة بالذات وإعادة الاعتبار لقيمة الفعل الوطني الرصين.
إن أخطر ما يواجه الشرعية اليوم ليس فقط بطش الحوثي، بل هذا الانهيار في الإدراك الجمعي الذي يجعل البعض يلمّع القبح ويُطفئ نور ما هو قائم على الحق. وما لم يُدرك من ينتسبون للشرعية أن معركتهم ليست في التغريدات ولا في جلد الذات، بل في بناء صورة دولة متمكنة ومحترمة وقادرة، فإنهم سيمنحون الحوثي ما لا يمتلكه، وسيهبونه وهجا وانتصارا زائفا.
وخلاص القول لقد آن الأوان أن يتوقّف هذا النزيف المعنوي، وأن يُعاد تصويب البوصلة نحو الهدف الحقيقي الذي تغافل الجميع عنه والمتمثل في استعادة الدولة، لا صناعة أوهام عن ميليشيا لا تملك إلا القمع والجباية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news