أفاد مركز الدراسات البحرية الاستراتيجية في تحليل حديث بأن الهدنة المعلنة في غزة لا تعني بالضرورة عودة الملاحة الآمنة في البحر الأحمر، رغم التراجع النسبي للهجمات الحوثية خلال الأشهر الماضية.
وأوضح المركز أن مليشيا الحوثي، التي شنت منذ أكتوبر 2023 أكثر من مئة هجوم على سفن تجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، ما تزال تمتلك دوافع قوية للاستمرار في حملتها البحرية، تتجاوز ذريعة الردّ على الحرب الإسرائيلية في غزة.
وبحسب المركز، فإن الاتفاق الذي توصل إليه الحوثيون مع الولايات المتحدة في مايو 2025 للامتناع عن استهداف السفن الأمريكية مقابل وقف الغارات الجوية على اليمن، إضافة إلى التوجيهات الأخيرة لعبد الملك الحوثي بوقف استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، لا يشكّل ضمانة لإنهاء التهديدات. كما أن الرسالة التي وجّهتها الجماعة إلى كتائب القسام واعتُبرت تلميحًا إلى تعليق عملياتها ضد إسرائيل، لا تعني تحولًا جذريًا في استراتيجيتها البحرية.
وأكد المركز أن الهجمات الحوثية تسببت بتعطيل كبير لحركة التجارة العالمية، إذ انخفضت حركة العبور عبر قناة السويس بنحو 50%، ما أجبر العديد من السفن على الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح، مضيفًا وقتًا وتكاليف كبيرة لرحلاتها، ومساهمًا في الضغوط التضخمية العالمية. ومع مرور ما يصل إلى 15% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات عبر القناة، شدد المركز على أن الاضطرابات في البحر الأحمر ذات تأثير عالمي لا يمكن تجاهله.
ويرى المركز أن استمرار الهجمات مرتبط أساسًا بالأزمات الداخلية التي تواجهها الجماعة، خصوصًا تراجع شرعيتها في مناطق سيطرتها نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، والقيود الأمنية الصارمة، وتدهور الخدمات الحكومية. وعلى الصعيد الخارجي، أشار التقرير إلى أن إيران تبقى الدولة الوحيدة التي تعترف بالحوثيين كسلطة شرعية، ما يدفع الجماعة إلى توسيع حضورها الجيوسياسي عبر إظهار قدرتها على تهديد طرق التجارة الدولية.
وبحسب المركز، فإن تبنّي الحوثيين لقضية غزة عزز شعبيتهم في بعض المناطق اليمنية ورفع وتيرة التجنيد، إذ ارتفع عدد مقاتليهم من 220 ألفًا في 2022 إلى 350 ألفًا في 2024. كما ساهم هذا الخطاب في تعزيز شراكتهم مع إيران، وتوفير غطاء سياسي لهجماتهم البحرية، إلى جانب استغلاله لتقويض صورة بعض القوى العربية التي امتنعت عن التحرك العسكري رغم دعمها المعلن للقضية الفلسطينية.
وأشار المركز إلى أن الجماعة قد تُعيد توجيه هجماتها مستقبلًا نحو الولايات المتحدة أو قوى دولية أخرى، مستفيدة من عدم شعبيتها في اليمن، لافتًا إلى أن الهجوم على سفينة صينية في مارس 2024 يعكس استعداد الحوثيين لتجاوز تعهداتهم وفق ما يخدم مصالحهم. كما كشف التقرير عن تنسيق متزايد بين الحوثيين والقوات المسلحة السودانية وحركة الشباب الصومالية، بما يتيح توسيع نطاق العمليات البحرية وتطوير تكتيكات أكثر تعقيدًا، بينها استخدام زوارق مسيّرة ومفخخة.
وخَلص مركز الدراسات البحرية الاستراتيجية إلى أن المخاطر في البحر الأحمر ستظل قائمة في المستقبل المنظور، وأن إنهاء التهديد الحوثي للممرات البحرية لن يتحقق إلا بتسوية شاملة للنزاع اليمني الداخلي، باعتبار أن حملة الجماعة البحرية مرتبطة بأزماتها السياسية ورهاناتها الاستراتيجية، وليس فقط بمسار الحرب في غزة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news