في خطوة أثارت موجة واسعة من الجدل، وجد مجلس القيادة الرئاسي نفسه في قلب عاصفة سياسية عقب التسريب الذي كشف عن توجيهات صادرة من رئيس المجلس رشاد العليمي، تقضي بإعداد صيغة رسمية لقرارات التعيين التي أصدرها عيدروس الزبيدي، رغم أن الفريق القانوني كان قد أوصى بإبطالها.
هذا التناقض بين المسار القانوني والمسار السياسي فتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول موقع القانون داخل منظومة الحكم، وما إذا كان المجلس يتجه نحو تثبيت موازين القوة بدلاً من الالتزام بالمرجعيات الدستورية.
ويرى مراقبون أن ما حدث لا يمثل مجرد إجراء إداري، بل لحظة كاشفة لعمق الانقسام داخل المجلس الرئاسي، واحتمال انتقاله من مؤسسة يُفترض أن تضبط القرار إلى ساحة صراع نفوذ تُفرض فيها الشرعية بالأمر الواقع لا بالمساطر القانونية، في مشهد يهدد وحدة المجلس ويضع مستقبل الشرعية اليمنية أمام اختبار جديد.
شرعنة خلافية مبكرة
يرى الباحث السياسي جمال حداد أن تمرير القرارات التي أصدرها الزبيدي قبل صدور رأي الفريق القانوني “يمثل سابقة خطيرة”، لأنه ـ وفق تعبيره ـ “يعطي انطباعًا بأن رئيس المجلس رشاد العليمي وافق عمليًا على شرعنة إجراءات كانت محل نزاع أصلاً”.
ويضيف حداد للمهرية نت: "كان يُفترض انتظار الرأي القانوني الملزم الذي حُوّلت إليه هذه القضايا، لا القفز فوقه. ما جرى يعطي إشارة واضحة أن موازين القوة داخل المجلس باتت أكثر تأثيرًا من النصوص المنظمة.”
وبحسب حداد، فإن الخطوة “تفتح الباب أمام أعضاء آخرين لاتخاذ قرارات منفردة، ثم فرضها عبر الضغط السياسي والعسكري، ما دامت المرجعية القانونية تم تجاوزها من رأس الهرم.”
ويرى الكاتب والمحلل السياسي راجح منصور أن ما يحدث “ليس مجرد اختلاف في الصلاحيات، بل تحول بنيوي في شكل السلطة ذاتها”.
ويقول منصور للمهرية نت: "نحن أمام لحظة يعاد فيها تشكيل مراكز القرار وفق من يملك القوة على الأرض، وليس وفق القانون أو الوثيقة الدستورية. وهذا أخطر انتقال تشهده الشرعية منذ 2015.”
ويشير إلى أن المجلس، بدل أن يكون مؤسسة حاكمة متماسكة، “بات أقرب إلى ساحة توازنات بين قوى مسلحة ومناطق نفوذ، يمثل كل عضو فيها امتدادًا لذراع إقليمية أو قوة داخلية، لا لسلطة الدولة”.
انهيار الثقة بين أقطاب المجلس
وفي سياق متصل، فقد صعّد عضو مجلس القيادة فرج البحسني خلال الأيام الماضية باتهامه للعليمي بعرقلة “قرارات أقرت بالإجماع”، في إشارة إلى خلافات داخل المجلس حول التعيينات العسكرية والمدنية.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن تعيينات عيدروس الزبيدي، التي شرعنتها قرارات رشاد العليمي، أصبحت نقطة خلاف رئيسية، حيث يرى البحسني أن هذه الخطوة تُضعف سلطة المجلس وتُشجع الأعضاء على فرض سلطات محلية.
وفي السياق، يقول الباحث جمال حداد إن هذا التصعيد “يكشف حجم الاحتقان داخل المجلس، وغياب آلية واضحة لضبط الخلافات”.
ويضيف: "حين يخرج عضو مجلس القيادة ويتهم رئيس المجلس علنًا بالتعطيل، فهذا يعني انهيار الثقة الداخلية، وأن كل طرف يبحث عن شرعية موازية من جمهوره أو داعميه، وليس من مؤسسة المجلس ذاتها.”
أما الكاتب راجح منصور فيعتبر أن موقف البحسني “يعبّر عن شعور أعضاء المجلس بأن القرار لم يعد مؤسسيًا”، مضيفًا: "هذا التصعيد ليس خلافًا شخصيًا، بل رسالة بأن توزيع النفوذ داخل المجلس دخل مرحلة إعادة ترسيم.”
ويشير راجح إلى أن غياب آلية ملزمة داخل المجلس لحسم النزاعات – رغم مرور أكثر من عامين على تشكيله – “هو السبب الجوهري الذي يجعل كل قرار عرضة للتأويل والتجاذب”.
ويقول: “إذا لم تكن هناك قواعد واضحة، فإن الأقوى على الأرض يصبح الأقوى في القرار السياسي، وهذا ما يحدث اليوم.”
ويؤكد أن المجلس يظهر “كهيكل سياسي بلا أدوات حكم حقيقية”، وهو ما يجعل الصدامات تتكرر في كل الملفات.
يرى الكاتب والمحلل السياسي توفيق المنتصر أن الدور الإقليمي أصبح “العامل الأكثر حضورًا” في تشكيل الاتجاهات داخل المجلس.
ويقول للمهرية نت: “لم يعد الإقليم داعمًا للشرعية بقدر ما أصبح شريكًا مباشرًا في صياغة قراراتها. وكل عضو في المجلس يمثل بوابة نفوذ لأبوظبي ، لا صوت الدولة اليمنية.”
ويشير إلى أن التحالف السعودي ـ الإماراتي بات “يمتلك قدرة أكبر على فرض رؤيته من خلال أدواته داخل المجلس، وليس عبر مؤسسات الشرعية الرسمية”، وهو ما يفسر – بحسبه – التباينات الحادة في المواقف والقرارات.
وأضاف: مجلس القيادة بات يُدار كـ"بؤرة صراع لا تنتهي، وأن أبوظبي تسعى لفرض أمر واقع جديد في الجنوب عبر التأثير على مؤسسات السلطة والتلاعب بمسارات القرار".
ويرى محللون أن استمرار هذا المسار قد يقود إلى “إعادة تشكيل السلطة اليمنية بالكامل” خارج إطار الدستور والشرعية التقليدية، وبما يعكس موازين القوى العسكرية والجيوسياسية أكثر مما يعكس الإرادة المؤسسية للدولة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news