في قلب الصراع الذي يعصف باليمن، والذي حوله إلى مسرح لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، تقف قضية شعب الجنوب كحقيقة جيوسياسية وتاريخية راسخة، لا يمكن لأي جهود سلام حقيقية أن تتجاوزها أو تقفز عليها.
بعد عقود من الظلم الممنهج، والتهميش الاقتصادي، والغدر السياسي، وعقد كامل من الحرب الطاحنة التي قدم فيها الجنوبيون تضحيات جسيمة لتحرير أرضهم، وصل شعب الجنوب إلى قناعة مطلقة لا رجعة فيها: إن السلام العادل والمستدام لن يتحقق إلا باستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 1990، وعاصمتها الأبدية عدن.
هذه القناعة ليست مجرد شعار سياسي يرفع في المناسبات، بل هي المطلب الشعبي الجامع، وخلاصة تجربة مريرة مع “وحدة” قسرية تحولت منذ يومها الأول إلى مشروع هيمنة واحتلال، ومشاريع تسوية دولية أثبتت فشلها الذريع في تلبية أبسط حقوق الجنوبيين المشروعة.
إن دعوات المجتمع الدولي المتكررة لوقف الحرب، رغم إيجابيتها الظاهرية، تظل ناقصة ومضللة طالما استمرت في تجاهل جوهر الأزمة وأصل الداء. إن محاولة إعادة تدوير المرجعيات السياسية القديمة، كمبادرة الخليج ومخرجات الحوار الوطني، هي محاولة يائسة لفرض حلول تجاوزها الزمن والواقع، وتتعامى عن الحقائق الجديدة التي فرضتها دماء الشهداء على الأرض.
لقد أثبت شعب الجنوب، عبر تضحياته الأسطورية وصمود قواته المسلحة الباسلة بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، الممثل الشرعي والوحيد له، أنه رقم صعب لا يمكن تجاهله، وأن إرادته في الحرية والاستقلال أقوى من كل المؤامرات الداخلية والخارجية.
هذا التقرير ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو تحليل عميق وتأكيد قاطع على حتمية استعادة دولة الجنوب كشرط وحيد للسلام، وتفنيد علمي وموضوعي لكل المحاولات التي تسعى لسرقة هذا الحق المشروع، وتوضيح للعالم أجمع لماذا أصبح حل الدولتين هو الطريق الوحيد نحو مستقبل آمن ومستقر للمنطقة بأسرها.
اقرأ المزيد...
شركة الأخوين تدشن مشروعًا للطاقة الشمسية بقدرة 100 كيلووات في الساعة لمؤسسة الصالحي في العاصمة عدن
16 نوفمبر، 2025 ( 7:56 مساءً )
البحسني يحمّل العليمي مسؤولية التدهور الأمني في حضرموت ويهدد باتخاذ خطوات أحادية لإعادة تطبيع الأوضاع
16 نوفمبر، 2025 ( 7:26 مساءً )
*جذور القضية
لكي نفهم الحاضر، لا بد من العودة إلى الجذور وتفكيك الرواية الرسمية التي حاول نظام صنعاء تسويقها لعقود.
لم تكن الوحدة التي قامت في 22 مايو 1990 مشروع شراكة متكافئة بين دولتين مستقلتين، بل كانت منذ اليوم الأول بداية لمؤامرة كبرى قادتها قوى الهيمنة القبلية والدينية المتنفذة في صنعاء لابتلاع الجنوب أرضاً وهوية وثروة.
دخل الجنوب هذه الوحدة بحسن نية، كدولة ذات سيادة كاملة ومعترف بها دولياً، بجيشها المنظم، ومؤسساتها المدنية، وعملتها المستقلة، وحدودها الدولية الراسخة. وكانت الوحدة بالنسبة للجنوبيين مشروعاً عربياً مثالياً، لكنها كانت بالنسبة للطرف الآخر فرصة تاريخية للتوسع والنهب.
سرعان ما تكشفت النوايا الحقيقية لنظام صنعاء.فقد بدأت عملية ممنهجة لإقصاء الكوادر الجنوبية من المناصب السيادية والعسكرية، وتم تفكيك الجيش الجنوبي وتسريح الآلاف من ضباطه وجنوده، وبدأت حملة اغتيالات غادرة طالت أكثر من 150 كادراً جنوبياً بارزاً في صنعاء.
اقتصادياً، تم نهب ثروات الجنوب النفطية والسمكية، وتمت خصخصة مؤسسات القطاع العام الناجحة في الجنوب وبيعها بأسعار بخسة لمتنفذي صنعاء. سياسياً، تم التراجع عن مبدأ الشراكة والمناصفة، وتحولت الدولة إلى أداة في يد نظام علي عبد الله صالح وحلفائه.
كانت حرب صيف 1994 العدوانية هي المسمار الأخير في نعش الوحدة. لم تكن حرباً أهلية كما يروج لها البعض، بل كانت غزواً واحتلالاً مكتمل الأركان، تم شنه بفتوى دينية تكفيرية أباحت دماء الجنوبيين وأموالهم وأعراضهم.
لقد تم بموجب هذه الحرب فرض الوحدة بالقوة، وتحويل الجنوب إلى مجرد غنيمة حرب. ومن رحم هذا الظلم، وُلد الحراك الجنوبي السلمي عام 2007، الذي بدأ بمطالب حقوقية للمسرحين قسراً، لكنه سرعان ما تحول إلى ثورة شعبية عارمة تطالب بالحرية والاستقلال. إن قضية الجنوب ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تراكم عقود من القهر والغدر، مما يجعل معالجتها من جذورها عبر استعادة الدولة أمراً حتمياً لا يقبل المساومة، وهو ما تعتبره القيادة الجنوبية مفتاح أي انتقال سياسي ناجح.
*انهيار المرجعيات
يصر المجتمع الدولي وبعض القوى الإقليمية، في محاولة لتجنب مواجهة الحقائق الصعبة، على التمسك بما يسمى “المرجعيات الثلاث” كأساس لأي حل سياسي. لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، الناطق الحامل السياسي لقضية شعب الجنوب، أعلن بوضوح أن هذه المرجعيات لم تعد صالحة للحل، ليس فقط لأنها قديمة، بل لأنها مصممة أساساً لتجاهل القضية الجنوبية.
فالمبادرة الخليجية لعام 2011 كانت مجرد تسوية بين أجنحة نظام صنعاء الحاكم، تهدف إلى نقل السلطة بشكل آمن من علي عبد الله صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، مع الحفاظ على بنية الدولة العميقة التي اضطهدت الجنوب ولم تتطرق المبادرة بكلمة واحدة إلى القضية الجنوبية أو حق تقرير المصير، بل تعاملت مع الأزمة على أنها مجرد صراع على السلطة في صنعاء.
ثانياً، مخرجات الحوار الوطني لعام 2013 كانت محاولة لذر الرماد في العيون وخداع الجنوبيين والمجتمع الدولي. على الرغم من تخصيص 50% من المقاعد للجنوب، إلا أن الفصائل الجنوبية الرئيسية والمؤثرة على الأرض قاطعت الحوار، مدركة أنه مجرد مسرحية تهدف إلى شرعنة استمرار الوحدة. وأفرز الحوار مشروع “الأقلمة” الكارثي الذي يهدف إلى تمزيق الجنوب جغرافياً وسياسياً إلى إقليمين (عدن وحضرموت)، وربطهما بأربعة أقاليم شمالية، مما يضمن استمرار هيمنة صنعاء وتفتيت القضية الجنوبية إلى الأبد.
ثالثاً، القرار 2216 لعام 2015 صدر في سياق محدد وهو مواجهة انقلاب الحوثيين على “الشرعية” في صنعاء. ورغم أهميته في حينه، إلا أنه كرس مفهوم “اليمن الموحد” وتجاهل أن الجنوب طرف رئيسي وقضية مستقلة.
لقد أصبح هذا القرار اليوم يستخدم كسلاح سياسي لمنع الاعتراف بحق الجنوبيين، على الرغم من أن الجنوبيين كانوا هم القوة الوحيدة التي هزمت المشروع الحوثي على الأرض وحررت أراضيها.
إن هذه المرجعيات، كما تؤكد القيادة الجنوبية باستمرار، لا توفر أي أفق لحل قضية شعب الجنوب، وقد أصبحت متجاوزة بفعل الحقائق الجديدة التي فرضتها سنوات الحرب، خاصة في الجنوب وتطلعات شعبه نحو الاستقلال.
*إطار تفاوضي جديد
انهيار المرجعيات القديمة يفرض ضرورة حتمية ومنطقية: بناء إطار تفاوضي جديد يعكس حقائق الأرض ويحترم إرادة الشعوب وقد حدد المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح الأسس غير القابلة للتفاوض لهذا الإطار.
من جهة، يجب أن يشارك الجنوب في أي عملية سياسية قادمة كطرف رئيسي ومستقل، يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، الحامل الشرعي لتطلعات شعب الجنوب بتفويض شعبي لا مثيل له.
ولم يعد مقبولاً أن يتم تهميش الجنوب أو إدراجه بشكل مهين ضمن وفد “الشرعية” الذي لا يمثل إلا نفسه ومصالحه.
إن أي عملية سياسية تتجاهل هذا المبدأ الأساسي مصيرها الفشل الحتمي قبل أن تبدأ.
ومن جهة أخرى، يجب تمكين شعب الجنوب من حقه الأصيل في تقرير المصير. هذا هو جوهر القضية وقلبها النابض. يجب أن تضمن أي عملية سياسية دولية حق شعب الجنوب في ممارسة تقرير مصيره السياسي بإرادته الحرة الكاملة، بعيداً عن أي وصاية أو تدخل. إن استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على حدود ما قبل 21 مايو 1990 هو الخيار الذي أجمع عليه شعب الجنوب، وهو حق أصيل تكفله كافة المواثيق والأعراف الدولية، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة. وقد أكدت قيادة المجلس الانتقالي في المحافل الدولية، بما فيها مجلس الأمن، أن قضية شعب الجنوب قد تم تهميشها طويلاً، وأن الوقت قد حان لمعالجتها ضمن إطار تفاوضي خاص تم الاتفاق عليه مسبقاً.
*الرئيس الزُبيدي: قيادة صلبة ومشروع وطني لا يحيد
في خضم التحديات الجسام والمؤامرات التي لا تتوقف، يقف الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كصخرة صلبة تتحطم عليها كل محاولات النيل من قضية الجنوب. لقد جسد الرئيس الزُبيدي إرادة شعب الجنوب، وحمل مشروعه الوطني بثبات وعزيمة، مؤكداً في كل المحافل أن قضية شعب الجنوب هي مفتاح الحل.
لقد أوصل صوت الجنوب إلى العالم، مشدداً على أن الوضع الراهن لم يعد مقبولاً، وأن مصلحة الشعبين في الجنوب والشمال، والمجتمع الإقليمي والدولي، تكمن في إنهاء الصراع عبر حل دائم وشامل.
هذا الموقف الثابت، الذي يرفض أنصاف الحلول والحلول الترقيعية، هو ما جعل من المجلس الانتقالي “درع الجنوب وسر بقائه”، وهو التجسيد الحي لإرادة شعب قرر أن يأخذ مصيره بيده.
إن كل خطوة يحققها المجلس هي انتصار لإرادة شعب الجنوب، وتأكيد على عدالة قضيته التي لن تحيد عن هدفها الأسمى: الاستقلال الثاني الناجز.
*السلام الحقيقي
السلام الذي ينادي به شعب الجنوب ليس سلاماً منقوصاً أو مؤقتاً، بل هو سلام حقيقي ودائم حيث تؤكد القيادة الجنوبية أن هذا السلام لا يمكن أن يُبنى على إنكار الحقائق أو تجاوز إرادة الشعوب. بل يجب أن يقوم على مسار سياسي واقعي يعالج قضية الجنوب معالجة عادلة، ويؤسس لعلاقة سلام مستقرة بين دولتين جارتين في الجنوب والشمال. إن استعادة دولة الجنوب لا تعني العداء، بل تعني تصحيح خطأ تاريخي كارثي، والعودة إلى وضع طبيعي يسمح لكلا الشعبين ببناء مستقبلهما في ظل الاحترام المتبادل وحسن الجوار والمصالح المشتركة.
إن بيان مجلس الأمن الأخير الذي أكد أن الحل لن يكون بالحرب هو بيان عقلاني، لكن السلام الحقيقي، من منظور جنوبي، لن يكون إلا باستعادة الجنوبيين لدولتهم المستقلة وعاصمتها عدن.
هذا هو الطريق الوحيد لضمان عدم تكرار مآسي الماضي، وتحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة بأسرها.
* إرادة شعب لا تُقهر
ما يميز نضال شعب الجنوب هو الصمود الأسطوري الذي أظهره في وجه كل التحديات. من الحراك السلمي الذي واجه الرصاص بصدور عارية، إلى ملاحم البطولة التي سطرتها القوات المسلحة الجنوبية في دحر الميليشيات الحوثية الغازية والتنظيمات الإرهابية، أثبت الجنوبيون أن إرادتهم في الحرية لا تُقهر.
هذا الصمود ليس مجرد رد فعل، بل هو مشروع وطني ثابت على مبدأ استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على حدودها التاريخية والسياسية المعترف بها دولياً ما قبل 21 مايو 1990. إن كل تضحية قدمها شهداء الجنوب الأبرار، وكل قطرة دم سالت على تراب هذا الوطن، هي وقود يغذي شعلة النضال حتى تحقيق الاستقلال الثاني. وقد طالبت القيادة الجنوبية مراراً بضرورة تبني نهج جديد وشامل لإنهاء الصراع، نهج يستعيد السلام الذي يستحقه شعب الجنوب.
*رسالة إلى العالم
لقد آن الأوان للمجتمع الدولي والإقليمي أن يفتح عينيه على الحقيقة الساطعة في الجنوب. إن سياسة دفن الرأس في الرمال والتمسك بحلول وهمية لم تعد تجدي نفعاً. وقد أوضحت القيادة الجنوبية أن تجاهل مجلس الأمن الأخير لقرار 2216 هو دليل على أن المرجعيات القديمة لم تعد صالحة، وأن السياق السياسي قد تغير جذرياً.
فالمطلوب اليوم هو إطار تفاوضي جديد يعكس حقائق الأرض، وفي مقدمتها تطلعات شعب الجنوب. ورغم وضوح المطلب الجنوبي، يؤكد المجلس الانتقالي انفتاحه على أي عملية سياسية مسؤولة، شريطة أن تضمن حق شعب الجنوب في تقرير مستقبله السياسي واستعادة دولته، وتفضي إلى سلام عادل ومستدام للجميع فدعم حق الجنوب في الاستقلال ليس مجرد موقف أخلاقي، بل هو استثمار في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
*الاستقلال قادم لا محالة*
إن مسيرة التاريخ لا تعود إلى الوراء. لقد قال شعب الجنوب كلمته، ورسم طريقه بدمائه وتضحياته وخيار استعادة الدولة ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو قدر محتوم وإرادة شعبية لن تتزعزع.
لقد فشلت كل محاولات الاحتواء والإخضاع والتركيع، ولن ينجح أي مشروع سياسي لا يضع قضية شعب الجنوب على رأس أولوياته، ويعترف بحقه الكامل في الحرية والاستقلال.
وقد نبهت القيادة الجنوبية إلى أن مسؤولية تحقيق السلام تقع على عاتق المجتمع الدولي، الذي كثيراً ما يفتقر للإرادة السياسية اللازمة، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات. لكن بغض النظر عن الموقف الدولي، فإن شعب الجنوب وقيادته ماضون بثبات نحو هدفهم، واثقين من أن المستقبل العادل الذي يستحقه شعبنا يمكن تحقيقه. وعلى العالم أن يختار: إما أن يقف مع الحق والعدل وإرادة الشعوب، ويدعم قيام دولة الجنوب المستقلة كشريك للسلام والاستقرار، أو أن يستمر في دعم مشاريع فاشلة لن تجلب للمنطقة إلا المزيد من الحروب والدمار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news