ي تطورٍ يكشف عن تشدّدٍ غير مسبوق في بعض العادات القبلية، أعلنت قبيلة "آل رقام" في اليمن عن قرار صادم بفصل أحد أفرادها، المدعو عبدالله علي رقام، ووالده من شجرة النسب والقبيلة بشكل كامل. جاء القرار القاسي كعقابٍ له على تزوّجه من امرأة من قبيلة "مزينة"، وهو ما اعتبرته القبيلة "خروجاً عن الأعراف والتقاليد" و"مساساً بالنسب"، مما أدى إلى إسقاطه اجتماعياً وتجريده من كل حقوقه.
تفاصيل القرار ومضامينه:
لم يقتصر القرار على الإعلان عن الفصل، بل تضمن حزمة من العقوبات الاجتماعية والمكانية الصارمة، حيث تم توقيعه من قبل "العاقل" (الحكم أو القاضي القبلي)، وأمين القرية، ووجوه ووجهاء قبيلة آل رقام، مما يمنحه الشرعية والقوة التنفيذية ضمن النظام الداخلي للقبيلة.
بناءً على هذا القرار، تم حرمان عبدالله علي رقام ووالده من:
كل الحقوق القبلية:
بما في ذلك الحق في الميراث، والحق في الحماية القبلية، والحق في المشاركة في اتخاذ القرارات.
المكانة الاجتماعية:
تم إسقاطهما اجتماعياً بشكل كامل، ومنعهما من حضور أي من المجالس القبلية، أو مشاركة أفراح القبيلة وأتراحها ومناسباتها.
الانتماء الجغرافي:
بل وصل الأمر إلى حد "طرح حجرته"، وهي عبارة مجازية تعني إخراجه من دائرة التجمع السكني والقبلي، واعتباره شخصاً غريباً لا ينتمي إليهم.
سياق أوسع: تشدّد قبلي في ظل تآكل النسيج الاجتماعي على يد الحوثيين
يأتي هذا الحدث المثير للجدل في ظل سياقٍ سياسي واجتماعي معقد تشهده مناطق سيطرة جماعة الحوثيين في اليمن. فبينما تتمسك قبيلة آل رقام بتقاليد صارمة قد تؤدي إلى تفكيكها من الداخل، تتعرض القبائل اليمنية بشكل عام لهجوم منهجي من قبل الحوثيين يسعى إلى تفكيك بنيتها ونسف ما يسمى بـ "شرف القبيلة" و"هيبة المشيخة".
خلال السنوات الماضية، أهان الحوثيون علناً الكثير من مشايخ القبائل البارزين، واعتقلوهم، وحاولوا فرض مشايخ موالين لهم، مما أدى إلى تآكل النفوذ التقليدي للقبائل التي كانت تشكل تاريخياً ركيزة أساسية للاستقرار الاجتماعي في اليمن.
وهنا يبرز المفارقة الصارخة: فبينما تعمل قوة خارجية (الحوثيين) على تفكيك القبيلة وإذلالها، تمارس قبيلة آل رقام نوعاً من "التفكيك الذاتي" من خلال تطبيق عادات بالية أدت إلى طرد أحد أبنائها وتشريد أسرته، مما يضعف نسيجها الداخلي في وقت هي بأمس الحاجة فيه للوحدة والتضامن في وجه التحديات الخارجية.
تحليل وتساؤلات:
تثير هذه القضية تساؤلات جوهرية حول مستقبل القبيلة اليمنية وهويةها:
مستقبل العرف القبلي:
هل يمكن للعادات القبلية الصارمة أن تصمد أمام التحديات العصرية والسياسية؟ أم أن مثل هذه القرارات ستؤدي إلى مزيد من التشرذم الداخلي وضعف التماسك الاجتماعي؟
أولويات القبيلة:
في وقت يجب أن تكون فيه الأولوية للحفاظ على الأبناء والبنية الاجتماعية في مواجهة المخاطر الخارجية، هل من الحكمة فرض عقوبات قاسية قد تؤدي إلى فقدان أفراد دائمين؟
ثمن الفرد:
يبقى مصير عبدالله علي رقام ووالده مثالاً صارخاً على الإنسان الذي يقع ضحية لتقاطع السياسة بالتقاليد، حيث يجد نفسه مطروداً من قبيلته بسبب اختياره الشخصي لشريكة الحياة، في مجتمع لا يزال يكافح من أجل التوازن بين الأصالة والحداثة.
في النهاية، يظل هذا القرار علامة فارقة في تاريخ قبيلة آل رقام، ويعكس أزمة أعمق قد تواجهها الكثير من القبائل اليمنية: أزمة الهوية في عالم متغير، وتحدي الحفاظ على التقاليد دون أن تتحول إلى أداة لتدمير الذات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news