أثار منشور للمهندس التقني أحمد مثنى على وسائل التواصل الاجتماعي جدلًا واسعًا وأصداءً مطولة في أوساط الشباب والنخبة التقنية في اليمن، بعدما كشف عن تفاصيل فرصة عمل مغرية تم إغلاقها بسبب عدم العثور على كفاءات يمنية مؤهلة، مما فتح باب النقاش حول الفجوة الخطيرة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل الحديث.
فرصة بمقابل مغرٍ وأبواب مغلقة بسبب كفاءة مفقودة
وفقاً لمثنى، فإن متجرًا إلكترونيًا خليجيًا رائدًا في مجال "التسويق المبني على الأداء" (Performance Marketing) تواصل معه للمرة الثانية خلال أسبوع واحد فقط، بحثًا عن متخصص يعمل عن بُعد من مدينة عدن. وكان العرض المقدم مغريًا للغاية، حيث بلغ راتبه الشهري 10 آلاف ريال سعودي، أي ما يعادل قيمته السوقية نحو 1.3 مليون ريال يمني، وهو مبلغ يعتبر سقفًا مرتفعًا جدًا بالمقاييس المحلية.
لكن المفاجأة، بحسب مثنى، كانت أن الشركة الخليجية "لم تجد مرشحًا واحدًا يتمتع بالكفاءة التقنية والعملية المطلوبة" لشغل هذا المنصب الحيوي، رغم حرصها الشديد على توظيف كوادر يمنية من عدن تحديدًا. هذه الحالة لم تكن معزولة، بل هي مؤشر على ظاهرة بدأت تطفو على السطح، حيث تتوفر الفرص لكنها لا تجد من يقتنصها.
تحليل للسبب الجذري: غياب الفرص أم غياب المهارات؟
المنشور الذي لاقى تفاعلاً واسعًا، وضع إصبع الجرح على مشكلة هيكلية تعاني منها الساحة اليمنية. وأكد مثنى أن المشكلة الأساسية لم تعد تكمن في ندرة الفرص بحد ذاتها، بل في "ضعف الإقبال على التخصصات التقنية الحديثة التي أصبحت تشكل العمود الفقري للاقتصاد العالمي".
وأضاف أن العديد من الشباب لا يزالون يبحثون عن وظائف تقليدية أو يركزون على تخصصات academia لم تعد لها نفس الأولوية في سوق عمل يتجه نحو الرقمنة بالكامل. هذه الفجوة بين المهارات المتوفرة والمهارات المطلوبة تحرم الشباب من دخول ساق العمل العالمي عن بُعد، الذي يتيح لهم تحقيق دخل مرتفع بالعملة الصعبة وهم في بلادهم.
دعوة صريحة لـ"ثورة معرفية" في التخصصات الرقمية
في سياق حديثه، وجّه المهندس أحمد مثنى دعوة مباشرة وصريحة للشباب اليمني، داعيًا إياهم إلى استثمار الوقت والجهد في تعلم المهارات التي باتت مطلوبة بشدة عالميًا. وحدد قائمة من التخصصات التي وصفها بـ"المستقبل"، مؤكدًا أن إتقانها يضمن مستقبلًا مهنيًا واعدًا، وأبرزها:
التسويق الإلكتروني الشامل (E-commerce Marketing):
فهم آليات البيع وال promotion عبر المنصات الرقمية.
الإعلانات الممولة (Media Buying):
إدارة الحملات الإعلانية المدفوعة على منصات مثل جوجل وفيسبوك بكفاءة عالية.
تحسين محركات البحث (SEO):
القدرة على جعل المواقع الإلكترونية تظهر في النتائج الأولى لمحركات البحث، وهو ما يعتبر شريان الحياة لأي عمل تجاري عبر الإنترنت.
تجربة المستخدم (UX):
تصميم واجهات وتجارب استخدام سلسة ومريحة للمستخدم النهائي، مما يزيد من معدلات التحويل والولاء.
وكل ما يتعلق بنظام التجارة الإلكترونية البيئي:
من إدارة المخزون، وخدمة العملاء، والتحليلات.
مستقبل الوظائف عن بعد: سوق عالمي ينتظر الكفاءات
واختتم مثنى حديثه بتقديم خارطة طريق للشباب الطموح، مؤكدًا أن هذه المجالات "ليست مستحيلة أو صعبة للغاية"، لكنها تتطلب جهدًا ذاتيًا منظمًا ودراسة مكثفة تتراوح مدتها بين سنتين وأربع سنوات ليصبح الفرد محترفًا فيها.
وشدد على أن الأبواب مفتوحة على مصراعيها لكل من يريد أن "يصنع لنفسه فرصة حقيقية"، مشيرًا إلى أن سوق العمل العالمي لم يعد يهتم بالموقع الجغرافي بقدر ما يهتم بمستوى الكفاءة والجودة. ويبقى هذا الحادث بمثابة جرس إنذار ودعوة لمراجعة المنظومة التعليمية والتوجيهية في اليمن، لتواكب الثورة الرقمية وتجهز جيلًا قادرًا على المنافسة عالميًا، بدلاً من مشاهدة الفرص الذهبية وهي تمر من أمامهم دون القدرة على الإمساك بها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news