كتب : أ. فيدل إسماعيل
ليس التعليم أن نُحيل الأجيال المتعاقبة إلى نسخٍ مكرورة من ماضٍ مكتفٍ بنفسه، بل أن نفتح أمامها نوافذ على الغد، فنصنع إنسانًا يبدع حيث لم يبدع أحد، ويخطّ سطرًا لم يجرؤ التاريخ على كتابته بعد.
إن التعليم الذي يقتصر على التلقين، كمن يزرع أرضًا عاقرًا لا تنبت سوى أشواك التكرار، أما التعليم الحق فهو المطر الذي يوقظ في التربة بذورًا كامنة لتورق حياةً جديدة.
وليس أقل شأنًا من الإبداع أن يُصاغ العقل صياغةً تجعله ناقدًا بصيرًا، لا يبتلع كل ما يُلقى في فمه، ولا يرضى أن يكون تابعًا في قافلةٍ بلا بوصلة.
إنما يُريد التعليم للإنسان أن يحمل في يده ميزانًا يزن به الحقائق، وعدسةً يفرّق بها بين الوهم والحقيقة. فالعقل الذي لا يُمارس النقد، عقلٌ سريع الانقياد، ضعيف الحيلة، يُستدرج حيث يُراد له أن يكون.
هكذا يصبح التعليم جناحين متكاملين: جناح الإبداع الذي يعلو بالإنسان نحو آفاقٍ جديدة، وجناح النقد الذي يحفظه من السقوط في مهاوي التقليد الأعمى.
ومن تآلف هذين الجناحين يولد الكائن الحر: مبدعًا لا مكرّرًا، ناقدًا لا مقلّدًا، يضيف إلى مسيرة الوجود بدل أن يكون رقمًا زائدًا فيها.
فالتعليم في جوهره ليس خزانًا يُملأ بالمعلومات، بل نارًا تُوقد في القلب لتضيء طريقًا جديدًا، وسراجًا يُهدي العقل إلى أن يرى بعينيه لا بعيون غيره.
ذلك هو التعليم الذي نصبو إليه: صناعة إنسانٍ يكون “إضافةً” في الحياة، لا مجرد “ظلٍّ” لما سبق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news