تقف العاصمة اليمنية صنعاء، مع المحافظات الجبلية المحيطة التي تؤوي نحو 70% من سكان البلاد، على حافة كارثة بيئية ومائية وشيكة، في ظل استمرار الاستنزاف الجائر وغير المستدام للمياه الجوفية. وتأتي هذه التحذيرات مدعومة ببيانات صادمة كشفت عن أن عمق الآبار في المنطقة قد تجاوز مستوى بحيرة سد مأرب التاريخي، مؤشراً إلى مرحلة خطيرة من نضوب المخزون المائي الجوفي لم يشهدها من قبل.
تفاصيل مروعة: الآبار تحفر تحت التاريخ
لإدراك حجم الكارثة، تكفي الإشارة إلى الأرقام الجيولوجية التي باتت تقلق الخبراء. فمدينة صنعاء ترتفع نحو 2300 متر عن سطح البحر، بينما يبلغ ارتفاع سد مأرب التاريخي - أحد أعظم إنجازات اليمن القديم - 1140 متراً فقط. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن عمق حفر الآبار في صنعاء وضواحيها قد وصل حالياً إلى ما بين 1200 و 1400 متر.
وهذا يعني أن المياه تُستخرج الآن من أعماق تصل إلى 240 متراً
أسفل
مستوى بحيرة سد مأرب، وهو ما أثار دهشة واستغراب الخبراء، الذين يتساءلون عن كيفية وجود مياه في هذه الأعماق السحيقة أصلاً، وما هي الآثار الجيولوجية المترتبة على استمرار نزحها بهذا الشكل، خاصة وأن تكاليف الحفر والتشغيل تصل إلى مستويات باهظة لا يمكن تحملها للأبد.
القات.. "القاتل الصامت" للمياه
ولا تقف خطورة الأزمة عند هذا الحد، بل تتضاعف عند النظر في أوجه استخدام هذا المورد الحيوي الشحيح. فوفقاً لتقديرات مراقبين، يُستنزف نحو 50% من المياه المستخرجة من هذه الآبار السحيقة في ري زراعة القات، بالإضافة إلى المزروعات الأخرى في محيط العاصمة. بينما يحتاج سكان صنعاء إلى هذه المياه بشكل عاجل لتأمين مياه الشرب، يتم توجيه الجزء الأكبر منها لزراعة شجرة استهلاكية تُعد من أكبر مُسبّبات استنزاف الموارد المائية في البلاد.
هذا التوزيع غير العادل للمياه يعني أن الأزمة ليست فقط نتيجة ندرة طبيعية، بل هي نتاج عقود من الإدارة غير الرشيدة وتفضيل المصالح التجارية قصيرة الأجل على الأمن المائي لأحد أكبر التجمعات السكانية في اليمن.
تحذير من المستقبل: كارثة ما بعد النضوب
ويحذر خبراء ومراقبون من أن الكارثة الحقيقية لم تظهر بعد. فحينما ينضب المخزون المائي الجوفي بالكامل - وهو أمر بات قريباً أكثر من أي وقت مضى - سيدرك الجميع حجم الهدر الذي حدث. ستكون تلك اللحظة هي لحظة الحقيقة، حيث سيتضح أن عقوداً من الاستنزاف غير الرشيد قد أُهدرت في سقي محصول غير أساسي، بينما كانت عاصمة تاريخية بأكملها وشعبها يقفان على شفير الظمأ. إن الأرقام الحالية ليست مجرد إحصائيات، بل هي بمثابة نبذة انذار مبكر بانهيار بيئي وإنساني يلوح في الأفق ما لم تتم إعادة النظر جذرياً في سياسات إدارة المياه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news