لم يكن البيان الحوثي الأخير، الذي أُذيع تحت عنوان الكشف عن خلية تجسس، مجرد عرض دعائي عابر كما جرت العادة، بقدر ما حمله من دلالات أعمق هذه المرة، تتعلق بالترتيبات الجارية داخل بنية القيادة الحوثية، أبرزها تقديم نجل مؤسس المليشيا، علي حسين الحوثي رسميًا بهذا الظهور التسويقي، وهو الذي بدأ يشق طريقه بحماس إلى واجهة المشهد السياسي والدعائي للمليشيا
.
هذا الظهور، وفق مراقبين، ما كان مصادفة، إنما خطوة محسوبة تشير إلى قرار داخلي بالدفع بعلي حسين إلى مقدمة المشهد، في ظل تراجع وجوه حوثية تقليدية لطالما هيمنت على الإعلام الدعائي للمليشيا خلال السنوات الماضية، مع ترجيحات بأن هذا التحرك يأتي خشية من تراجع نفوذ "عائلة الحوثي" في بيئة تتزايد فيها المنافسة بين الأجنحة العسكرية والأمنية للمليشيا.
بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع وقيادات حوثية في صنعاء، وجدت المليشيا نفسها أمام انكشاف أمني واستخباراتي كبير وغير مسبوق في الوقت الذي كانت تعتقد أنها محصنة جيدًا، ما دفعها إلى اتخاذ ترتيبات عاجلة داخل دوائرها الأمنية العليا، شملت تغيير أساليب التواصل داخل الصف الأول من القيادة، مع توجيه اتهامات بالتقصير لقيادات أمنية بارزة.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن زعيم المليشيا، عبدالملك الحوثي، قلص في الأسابيع الأخيرة تواصله المباشر مع القيادات الميدانية، وحصر لقاءاته في نطاق عائلي ضيق خشية الاختراقات، كما عمل على إعادة تشكيل الدائرة الأمنية العليا بما يضمن إبقاء السيطرة داخل العائلة.
وبحسب تلك المصادر، فإن قرار تمكين علي حسين الحوثي جاء كجزء من صفقة توازن داخل العائلة، تهدف إلى الحفاظ على العلاقة مع أسرة مؤسس المليشيا الصريع، وفي الوقت ذاته فرض طابع عائلي صرف على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بعد أن أظهرت الأحداث الأخيرة هشاشتها وتعدد مراكز القرار داخلها.
وفي هذا السياق، تؤكد تقارير أمنية أن المليشيا، وبإشراف من الحرس الثوري الإيراني، تعمل على خطة لإعادة هيكلة أجهزتها الأمنية عبر دمج الإدارات المتعددة وإزاحة القيادات القديمة تدريجيًا، تمهيدًا لتسليم الملف الأمني كاملا لنجل المؤسس، بما يمنحه سلطة فعلية ويعزز موقعه كوريث محتمل داخل الهرم الحوثي.
ورغم هذا المسار التصاعدي، تشير المعطيات إلى أن مشروع توريث القيادة داخل الأسرة الحوثية لا يخلو من التحديات، فالكثير من القيادات التي تنتمي إلى خارج "الدائرة العائلية" ما تزال تمتلك نفوذًا واسعًا في صنعاء ومؤسسات الحكم الانقلابي، ما يجعل أي محاولة لإقصائها محفوفة بمخاطر التصدع الداخلي والصدام المفتوح بين أجنحة المليشيا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news