لم يكن ظهور علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الميليشيا في اليمن، لتلاوة بيان الإطاحة بما وُصف بـ"شبكة تجسس"، مجرد مشهد إعلامي عابر، بل يُرى كمؤشر استراتيجي على بدء مرحلة جديدة على مستوى البيت الداخلي، تهدف إلى صناعة قائد أمني قادم، أو الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال تهيئة "خليفة" محتمل لتولي زمام زعامة الحركة، عقب عمه عبدالملك الحوثي.
في هذا الصدد، قالت مصادر خاصة في الحكومة اليمنية لـ"إرم نيوز": "إسناد مهمة بارزة كهذه للشاب علي حسين الحوثي، يحمل دلالات وأبعاد، تتجاوز الطابع الإعلامي والأمني، يبدو بما لا يدعُ مجالًا للشكّ، أن الحوثيين بصدد تهيئة المسرح أمامه لصناعة رمز جديد من داخل العائلة الحوثية نفسها، تمهيدًا لمرحلة ما بعد عبدالملك، والاستعداد لها بما يجب قبل حدوث أي طارئ".
وألمحت المصادر، إلى أن "العملية تشبه إلى حدٍ كبير ما جرى داخل حزب الله اللبناني، إذ تأخذ الأسرة الحوثية من وراء هذه التحركات من نظيرتها مثالًا واردًا تكراره معهم، بعد أن فقدت قائدها حسن نصر الله، ما يجعلهم لا يستبعدون حدوث مثل ذلك مع عبدالملك، طال بقاؤه أم قصر، وفي كل الأحوال تضمن بقاء الأمور محكمة جيدًا في قبضتها".
وترى المصادر، بأن "علي حسين، يُقدَّم اليوم باعتباره الوريث الطبيعي لقيادة الجماعة، نتيجة عوامل متعدّدة، تبرز أهمها صلته المباشرة بوالده المؤسس، بالإضافة إلى قدرته على الإمساك بالملفات الأمنية والاستخباراتية، فضلًا عن علاقته المتينة مع الدوائر الإيرانية، التي تسانده في الداخل".
وبحسب المصادر، فإن "آلية الخلافة داخل البيت الحوثي، لا تخضع لمقاييس التراتبية العمرية أو التنظيمية، بقدر ما تحكمها معايير الولاء والقدرة على السيطرة الأمنية"، مشيرةً إلى أن "اختيار علي الحوثي، بالرغم من صغر سنه ويمتلك أشقاء أكبر منه سنًا، يأتي لاعتبارات مرتبطة بدرجة أساسية بموقعه داخل شبكة العلاقات مع طهران، وقدرته على تصفية الخصوم داخليًا إن تطلب الأمر واستدعت الحاجة".
من جانبه، أشار الخبير في الشؤون الأمنية سعيد الجمحي، إلى أن "على الحوثي، برز خلال السنوات الأخيرة، من خلال تدرّجه في مناصب أمنية داخل وزارة الداخلية، وتوليه رئاسة جهاز استخباراتي مُستحدث، رغم افتقاره لأي خلفية عسكرية أو أمنية".
ولفت الجمحي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن "شمول اسم علي الحوثي، ضمن قوائم العقوبات الأمريكية والبريطانية الأخيرة، يعكس حجم النفوذ الذي بات يتمتع به داخل أروقة الجماعة".
واعتبر الخبير في الشؤون الأمنية، أن "هذا التلميع المتصاعد الذي يحظى به، يؤشر إلى نية الحركة الحوثية الدفع بوجوه شابة من أبناء العائلة إلى الواجهة، في ظل ترهل القيادات القديمة، ومخاوف من فراغ قيادي محتمل".
وأضاف الجمحي: "وهو ما يؤكد الطبيعة السلالية المغلقة للجماعة، التي لا تؤمن بتداول القيادة إلا عبر التوريث العائلي"، حد تعبيره.
في غضون ذلك، أكدت مصادر يمنية مُطلعة لـ"إرم نيوز"، أن: "الخلافات بين أجنحة القيادة الحوثي، تشهد تصاعدًا متواصلًا، وإن لم يظهر ذلك إلى العلن بصورة جلية، خصوصًا وأن هناك حالة من الصراع المُتنامي بين من يُسمّون (هواشم صعدة) و(هواشم صنعاء)".
وكشفت المصادر، عن أن الأسرة الحوثية بدأت باتخاذ خطوات حقيقية لضمان استمرار مشروع "الولاية" داخل البيت الحوثي ذاته، دون السماح بتسلل أي نفوذ خارج هذه الدائرة الضيقة، وهو ما يظهر من خلال تجهيز خلف جاهز ومؤهل أمنيًا ودعائيًا، يحمل إرث المؤسس ويرتبط بشبكة النفوذ الإيراني.
إلى ذلك، يرى الصحفي المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية أحمد شبح، بأن إسناد إعلان البيان إلى علي حسين الحوثي، مرده إلى تنامي نفوذ الجهاز الذي يرأسه داخل وزارة الداخلية، على حساب جهاز الأمن والمخابرات.
وقال شبح، لـ"إرم نيوز"، إن: "الظهور الإعلامي لعلي الحوثي، يأتي تتويجًا لتضخم صلاحيات جهاز استخبارات الشرطة، الذي بات يؤدي مهامًا أوسع من اختصاصاته التقليدية، وذلك على حساب جهاز الأمن القومي والاستخبارات، الذي تلقى ضربات موجعة خلال الأشهر الماضية".
وبحسب شبح، فإن "هذا الإجراء يعكس صراعًا داخليًا بين أجنحة الاستخبارات الحوثية، أحدها يقوده عبدالكريم الحوثي، وإلى جانبه نجل شقيقه علي الحوثي، بمواجهة جناح عبدالحكيم الخيواني قائد جهاز الأمن والمخابرات".
وأضاف شبح: "كما أنه يعكس محاولة لتلميع ابن المؤسس كرمز أمني قادر على تحقيق إنجازات تُضاف إلى رصيده الشخصي، تمهيدًا لتصعيده إلى مواقع أعلى مستقبلًا".
وفي ذات السياق، قال مصدر عسكري يمني لـ"إرم نيوز"، إن "الحركة الحوثية، تمر بمرحلة ارتباك غير مسبوقة نتيجة الضربات التي طالت قياداتها الميدانية والعسكرية، بالإضافة إلى قيادات حكومتها، وتسعى لتعويض ذلك، بتهيئة قيادات بديلة، يأتي في مقدمتهم علي حسين الحوثي".
ولفت المصدر إلى أن "استحداث أجهزة أمنية جديدة، ومنح علي حسين صلاحيات أوسع، يُشير إلى مساعي لترتيب البيت الداخلي وتوزيع مراكز القوى استعدادًا لأي طارئ، سواءً كان استهدافًا مباشرًا لعبدالملك الحوثي أو انهيارًا في المنظومة الأمنية للجماعة".
في المقابل، استبعد الكاتب والسياسي علي البخيتي، أن يكون إبراز علي حسين الحوثي، ينم عن حدوث خلافات داخل الجماعة، بقدر ما هو محاولة لصناعة مجد شخصي يؤسس له للاستفادة من ذلك خلال المراحل المقبلة.
وقال البخيتي، لـ"إرم نيوز": "إظهار علي حسين، في هذه المرحلة لا يعكس بالضرورة صراعًا حادًا، بقدر أنها محاولة لتمهيد تعيينه في مناصب عُليا"، مشيرًا إلى أن "الترويج لإنجازات أمنية مُلفقة مثل الإطاحة بشبكة تجسس، يهدف إلى رفع أسهمه داخل القاعدة الحوثية".
ونوه البخيتي وهو القيادي السابق في صفوف الحوثيين قبل أن ينشقّ عنهم- إلى أن "الجميع يُدرك زيف هذه الروايات التي تعتمد على اعترافات منتزعة بالقوة وتهم واهية"، مؤكدًا أن "تاريخ الجماعة مليء بمثل هذه المسرحيات الإعلامية التي تهدف إلى تسويق قياداتها الجديدة، كما فعلت في السابق عند تلميع شخصيات أمنية أخرى، بينما الجوهر الحقيقي هو الحفاظ على هيمنة بيت الحوثي على مفاصل القرار، وإعادة إنتاج القيادة داخل الإطار العائلي ذاته".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news