الحوثيون... حين يتحول الوطن إلى قفص اتهام
قبل 7 دقيقة
تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية ممارساتها القمعية ضد اليمنيين، في حملة هستيرية من الاتهامات الجاهزة بالتجسس والعمالة، بينما تستثني عناصرها المنتمين إلى السلالة من أي مساءلة أو شك. لم تعد تلك الممارسات مجرد تجاوزات أمنية أو أخطاء فردية، بل أصبحت سياسة ممنهجة لإخضاع المجتمع اليمني، ووسيلة لترسيخ سلطة تقوم على الخوف والتصنيف الطبقي والعقائدي.
في مناطق سيطرة الحوثيين، باتت التهم تُوزّع كما تُوزّع التصاريح، وملف “التجسس” أصبح السلاح الذي يُشهر في وجه كل من يجرؤ على التفكير أو الكلام أو حتى التقاط صورة. تشير تقارير وشهادات متعددة إلى أن المليشيا تعتبر كل يمني من خارج السلالة "خائناً" و"عميلاً" لإسرائيل والولايات المتحدة، وتواصل تنفيذ حملات مداهمة واختطاف تطال المدنيين لمجرد الاشتباه أو تلفيق التهم. هذه الصورة المظلمة لا تعبّر فقط عن انتهاكٍ لحقوق الإنسان، بل عن منظومة فكرية ترى نفسها فوق الشعب والوطن.
اليمنيون اليوم يعيشون في حالة من الخوف المزمن. لم يعد القلق محصوراً في حدود السياسة أو التعبير عن الرأي، بل وصل إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية. بات المواطنون يتجنبون حتى التقاط الصور التذكارية في الأماكن العامة أو السياحية، خشية اتهامهم بالتجسس أو العمالة. تخيّل أن يصبح الهاتف المحمول جريمة محتملة، وأن تتحول الكاميرا من وسيلة لتوثيق الذكريات إلى دليل إدانة في محاكم المليشيا العبثية.
المأساة أكبر مما يبدو. العديد من الأسر التي تتنزه في سواحل البحر الأحمر أو المناطق الجبلية السياحية تطلب من أبنائها عدم التصوير أو حذف الصور فوراً من هواتفهم، بعد أن سُجّلت حوادث اختطاف نفذها ما يُعرف بـ«الأمن الوقائي» التابع للحوثيين، استناداً إلى صور أو منشورات شخصية لا تتجاوز كونها توثيقاً لرحلات عائلية بريئة. المشهد هنا لا يصف مجرد انتهاك، بل حالة رعب جماعي تزرعها المليشيا في النفوس كي تبقى السلطة في يدها وحدها.
إن ما تفعله جماعة الحوثي اليوم هو تجريم الحياة العادية وتحويل المجتمع اليمني إلى سجن كبير، حيث تُراقب الأنفاس وتُحاسب النوايا. لقد تجاوزت هذه الجماعة حدود السياسة لتدخل في صلب الهوية اليمنية، محاولة فرض نموذج طائفي يستنسخ العبودية القديمة في ثوب ديني وشعارات "الموت لأمريكا" التي تُخفي وراءها حياة الموت لليمنيين.
هذه الممارسات لا يمكن فصلها عن مشروع أوسع، يهدف إلى طمس الشخصية الوطنية اليمنية واستبدالها بولاء سلالي مغلق، يختزل الوطن في عائلة ويفسر المواطنة بمعيار النسب لا الانتماء. لذلك، فإن الصمت أمام هذه الجرائم ليس حياداً، بل تواطؤ مع القمع.
لقد آن الأوان لليمنيين، بكل أطيافهم، أن يدركوا أن معركتهم مع الحوثي ليست فقط معركة سياسية، بل صراع وجودي بين دولة المواطنة ودولة السلالة، بين الحق الطبيعي في الحياة والحرية، وبين مشروع ظلامي يريد أن يحبسهم في قفص اتهامٍ لا يُفتح إلا بالموت أو الولاء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news