أكدت الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن العلم والمعرفة هما طريق التغيير الايجابي والازدهار والتقدم، وأن الجامعات تشكل الوعي وتقارع الظلم والإستبداد.
جاء ذلك في كلمة ألقتها كرمان، خلال المؤتمر السنوي للمجلس الوطني لبرامج الاونور في جامعات الولايات المتحدة الامريكية، بمدينة ساندييغو الامريكية.
وقالت كرمان: "بداية سعيدة، أني معكم اليوم، احتفل بهذا المؤتمر العظيم بعد مرور ستين عاما على انطلاق هذه الاحتفالية المؤتمر السنوي للمجلس الوطني لبرامج الاونور في جامعات الولايات المتحدة الامريكية.
وأضافت: "سعادتي هذه منبعها شيئان مهمان: الاول ايماني الشديد بأهمية العلم والمعرفة ومراهنتي الدائمة على ابطالهما وروادهما، والثاني ايماني الراسخ بان العلم والمعرفة هما طريق التغيير الايجابي والازدهار والتقدم".
وتابعت: "لقد امنت دائما بأهمية الجامعات تحديدا في تشكيل الوعي، وصناعة السرديات الايجابية، ومكافحة الظلم والاستبداد، وتحرير المجتمعات، وخلق بيئة حيوية للنمو والازدهار".
وأردفت: "قبل ذلك اذكركم باني امرأة جاءت من اقصى الجنوب العالمي، من بلد مكافح اسمه اليمن. بدأت نضالي كامرأة متعلمة، كصحفية، كحالمة ضد المستبد. كنت وحيدة في الشارع، اتنقل من شارع لشارع ادعو المواطنين اليمنيين للثورة على المستبد الذي دمر البلد ونشر الفساد والفقر والحرب والإرهاب".
وأشارت إلى أنها مارست خطابا قويا وجسورا من اجل التغيير، مضيفة: "في البداية لم يسمعني ولم يتبعني الا مجموعة من الحالمين والمكافحين وضحايا الانتهاكات، ومجموعة بسيطة جدا من الناشطين. منذ عام 2006 وحتى عام 2011 كنت اخوض معركة النضال السلمي عبر الاعتصام والتظاهر وحيدة، الا من اولئك القلة، الا من الضحايا الذين كنت اناضل من اجلهم".
ووصفت بدايتها الأولى بأنها كانت "نضالا جسورا محفوفا بالمخاطر، لكنه كان مليئا بالحلم والايمان بالنصر"، لافتة لإيمانها خلال تلك المسيرة ـن "هذا النظام الفاسد والفاشل والمستبد ـ نظام صالح آنذاك ـ عصي على الاصلاح من الداخل؛ لن يغير نفسه ولن يتطور، وان لا حل الا بتغييره. كان مضمون ما اقول وخطابي وبياناتي ومسيراتي وتظاهراتي يتمحور حول هذه الفكرة".
وقالت: "كانت اللحظة الفارقة حين قررت ان اتوجه امام بوابة جامعة صنعاء، اصرخ باعلى صوتي لايام واسابيع: «يا طلاب الجامعة، الحقوق ضائعة». كانت هذه لحظة فارقة في كل نضالي. لقد اصبت الهدف. تحدثت الى قلب المجتمع وقواه الحية، ولولا التفاف طلاب الجامعة حولي وتشكيل تحالف معهم، ما استطعت اسقاط الديكتاتور. لو لم يرحنا المستبد ولا نغير النظام".
وأوضحت أنها جاءت "من عالم شهد استبدادا وحروبا ومجازر، لكنني، رغم كل الالم، رأيت اروع ما في الانسان داخل الجامعات. رأيت طلابا يقفون في وجه الرصاص ليقولوا: «نريد وطنا حرا». رأيت اساتذة يعتقلون لأنهم رفضوا الاستسلام لتقييد حرياتهم وحريات طلابهم ورفضوا ان يخلطوا العلم بالدعايات. رأيت شابات وشبابا انطلقوا من الجامعات لا يملكون مالا ولا نفوذا ولا حماية، لكنهم امتلكوا ما هو أعظم: امتلكوا الحلم من اجل وطنهم، ومعه الشجاعة والجسارة من اجل تحقيقه".
وأكدت أن ما يجري في الجامعات من تنوير وتعليم وتشكيل الوعي والقناعات جعلها محل استهداف "من قبل المستبدين، الفاشيين، والشركات الجشعة".
وأضافت: "اليوم يواجه العلم والعلماء — دكاترة وباحثون وطلبة — حملة ممنهجة تنال من التعليم العالي ككيان، كفكرة، وكوسيلة؛ حملة تعمل على مصادرة الحريات الاكاديمية والطلابية، ومراقبة البحث العلمي، وتحويل الجامعات الى ثكنات عسكرية، او تعيين مندوبين عن السلطة واجهزة استخباراتها، وقمع الطلاب والاساتذة والطاقم العامل، واحباطهم، وفصلهم، واعتقالهم، وتهديدهم".
وأشارت إلى انه حين تنهض الجامعة ينهض المجتمع، وحين يطلب الطالب الحرية تبدأ الثورة، وحين تتحرر المعرفة يتحرر الانسان. ومن رحم الجامعات ولدت عبر التاريخ ساحات الحرية وحركات التحرر".
وبين أن الجماعات الفاشية تخشى الجامعات، "لأن التطرف يولد في العقول المغلقة والهويات المنغلقة، ولأنها تكبر بالخوف والكراهية والجهل والخرافة. ينمو في مجتمع منقسم الى «نحن» و«هم»، وفي بيئات لا تسأل «لماذا؟» ولا «من المستفيد؟»".
وجددت التأكيد أن "الجامعة هي النقيض من ذلك كله، مجتمع مفتوح يقوم على العلم والفلسفة والحوار والتنوع والتعددية وقبول الاخر؛ يعلم ان التنوع ثروة، وان الحوار قوة، وان الكراهية جهل، وان الحقيقة لا يحتكرها احد".
وتطرقت كرمان، لتقارير دولية حديثة خطورة اللحظة التي يمر بها العالم. ففي منتصف اكتوبر 2025 أصدر مركز الابحاث الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس تقريرا حذر فيه من التآكل المتسارع للحرية الاكاديمية حتى داخل الدول الديمقراطية، لافتة إلى أن التقرير أكد أن استقلال الجامعات لم يعد مضمونا امام الضغوط السياسية والاقتصادية والايديولوجية، وان الدفاع عن حرية البحث والتعليم بات ضرورة اخلاقية لحماية الديمقراطية نفسها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news