اليمن الاتحادي / تقرير خاص:
في محاولة جديدة لصرف الأنظار عن أزماتها الداخلية، أطلقت ميليشيا الحوثي اليوم بياناً مثيراً للجدل، زعمت فيه كشف “شبكة تجسس” تعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية والأمريكية والسعودية داخل مناطق سيطرتها. لكن البيان، بدلاً من أن يُحدث صدمة أمنية كما أرادت الجماعة، أثار موجة واسعة من السخرية والتشكيك، وفتح الباب مجدداً على فضيحة التناقضات الحوثية التي تكشف زيف روايتها الرسمية.
الدكتور عبد القادر الخراز، أحد أبرز المحللين اليمنيين، وصف بيان الحوثيين بأنه “هروب إلى الأمام” و”محاولة فاشلة لتغطية صراعات داخلية وتجسسية بين أجنحة الجماعة نفسها”، مؤكداً أن ما ورد من اعترافات في التسجيل المصور “يفتقر للمنطق والمضمون الأمني الجاد”، خاصة حين يتحدث من يسمّون أنفسهم أعضاء الشبكة عن “الريموت” و”خلاط القهوة” و”البلكة”، وكأننا أمام مشهد من مسرحية سيئة الإخراج، لا عملية استخباراتية تديرها ثلاث دول.
ويشير الخراز إلى أن مضمون البيان الحوثي جاء بديلاً لبيان آخر تم التراجع عن نشره، كان يتحدث عن استهدافٍ غامض لقيادات بارزة في حكومة صنعاء، بينهم رئيس الوزراء، في ظروف ترجّح حدوث تصفية داخلية. وأضاف أن الجماعة لجأت سريعاً إلى فبركة بيان “شبكة التجسس” لتضليل الرأي العام وإخفاء آثار تلك الحادثة.
الصحفي فارس الحميري من جانبه، كشف أن اتهامات الحوثيين للمنظمات الدولية والوكالات الأممية باقتناء أجهزة اتصالات متطورة بشكل سري “باطلة تماماً”، موضحاً أن جميع تلك الأجهزة دخلت صنعاء بعلم وموافقة الحوثيين أنفسهم، وتم تفتيشها من قبل مختصين يتبعون جهاز “الأمن والمخابرات”، بل إن بعضها يحمل تصاريح رسمية وتدفع رسوم اشتراكاتها إلى وزارة الاتصالات الحوثية.
ولم يفت المراقبين التذكير بفضائح العام الماضي، حين كشفت سلسلة تحقيقات استقصائية مكونة من عشر حلقات عن وجود شركات إسرائيلية وأمريكية وبريطانية تعمل من قلب صنعاء، حصلت على تراخيص وتصاريح من جهات حوثية رسمية، بعضها مملوك لشخصيات نافذة من آل المتوكل وآل المؤيد. وقد مرّ كل ذلك بموافقة ومباركة أجهزة الأمن الحوثية ذاتها، في وقت كانت فيه الجماعة تدّعي “مقاطعة الشركات الأمريكية والإسرائيلية”.
وفي سياق متصل، أكد وكيل وزارة العدل فيصل المجيدي أن بيان الحوثيين ليس إلا “مسرحية هزيلة للتغطية على فشل أمني وفضائح قضائية تضرب عمق الجماعة”، مشيراً إلى أن ما يسمى بـ”القضاء الحوثي” أصبح أداة طائفية بعد أن استبدلت المليشيا القضاة القانونيين بـ”خريجي الحوزات”، وعددهم أكثر من 80 شخصاً بلا أي تأهيل قانوني.
وأوضح المجيدي أن هذه الممارسات تمثل “اغتيالاً متعمداً للعدالة” وتحويلاً لمؤسسات الدولة إلى أدوات مذهبية بيد قيادة سلالية مغلقة، لافتاً إلى أن ما يجري في صنعاء اليوم هو “قضاء طائفي لا علاقة له بالقانون، بل يعكس فشل الجماعة في إدارة الدولة ومحاولتها تغليف هذا الفشل بادعاءات بطولية زائفة”.
ويرى المجيدي أن توقيت البيان الحوثي جاء “كمحاولة للهروب من موجة الغضب الدولي” التي تلاحق الجماعة عقب تقرير فريق الخبراء الأمميين، والذي وثق جرائم جسيمة بينها اختطاف موظفي الأمم المتحدة، والاعتداء على النساء، وتجنيد الأطفال، ونهب الموارد، مؤكداً أن المليشيا تحاول دائماً استخدام “الخطاب الأمني والديني” كأداة لتغطية جرائمها وتلميع صورتها أمام أنصارها.
ويرى محللون أن هذا التناقض يفضح جوهر الأزمة داخل الجماعة، إذ باتت الأجنحة المتنازعة تتجسس على بعضها، وتستخدم الأكاذيب الإعلامية لتصفية حسابات داخلية.
قضية “شبكة الجواسيس” التي حاول الحوثيون تضخيمها اليوم، لم تكشف سوى شبكة الأكاذيب والتناقضات داخل منظومتهم الأمنية. فبدلاً من البحث عن “عملاء الخارج”، يبدو أن الجماعة باتت تغرق في مستنقع التجسس الداخلي والخيانة المتبادلة، في واحدة من أكثر فضائحها السياسية والإعلامية سذاجة منذ
انقلابها عام 2014.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news