في تعز.. إما القانون أو الفوضى لاحلول وسط

     
اليمن الاتحادي             عدد المشاهدات : 51 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في تعز.. إما القانون أو الفوضى لاحلول وسط

د/ مصطفى ناجي الجبزي:

الحديث عن تعز لا ينتهي لأن تعز لا تغيب ولا تغيب عنها الأحداث.

منذ مقتل افتهان المشهري والإرباك هو سيد الموقف والأطراف المتعددة تعيش على أعصابها وفي تعبئة عدمية تضيع معها الحقوق ويتفتت عضد المحافظة.

تعز — كمدينة ومحافظة — تمثل رهانًا مهمًّا لأطراف كثيرة، سياسية وعسكرية على حد سواء. ينظر البعض إليها باعتبارها “الكعكة الأخيرة” التي يمكن أن تغيّر الموازين، وربما يكون في ذلك بعض المبالغة، لكن من المؤكد أن الأطراف المحلية والإقليمية، خصوصًا حزب الإصلاح، تعتبرها ساحة حاسمة.

نهض الناس لمقاومة همجية الحوثي وكان اصلاحيو تعز من أول من نهضوا ولهذا كانوا الكتلة الصلبة والأكثر عدداً في نسيج المقاومة قبل أن يتحول الذين كانوا في صف الحوثي إلى المعسكر المناهض له.

هذا الدور البطولي للإصلاح قاد إلى معادلة سياسية وأمنية وعسكرية جعلته على نحو وعلى نحو لا يمكن اخفاؤه صاحب اليد الطولي في المشهد في تعز.

وهو دين سياسي ووطني لكنه لا يعني بأي حال من الأحوال أن تتحول تعز رهينة لهذا الدين وأن تدفع ثمناً هو تفتتها وانهيارها وشيوع الفوضى والاضطرابات والسلطوية والقمع وانفلات امني وظهور عصابات محمية بالمناطقية والعصبية القروية ومسنودة بالحزبية.

كما ان الموقف المعادي من الحوثي لا يمنح احداً فرامانات البراء من ماضيه والإذن بالعبث بأمن ونسيج المحافظة.

نحن نقول إن تعز قبة الميزان في الحياة السياسية اليمنية. وهذه تعبيرات بلاغية فيه وجه للدقة.

نقول هذا رغبة في توجيه الاهتمام بمحافظتنا وزيادة الموارد المخصصة لها والأمل في تحرير كامل مديرياتها.

لكن يبدو أن لا شيئا من كل هذه الأماني سيتحقق .

منذ أكثر من عشر سنوات، تشهد تعز أزمات متواصلة بلا توقف. ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود تراكم مؤسسي نسبي في بناء وحدات أمنية وعسكرية بدأت من الصفر وتطوّرت تدريجيًا. لكن في المقابل، ما تزال السلطات الأمنية والعسكرية تتعامل مع كل أزمة جديدة وكأنها الأولى، وغالبًا ما تُفسَّر كل مشكلة على أنها “مؤامرة من الحوثي”، وهذا تبسيط مخلّ، لأن التفسير الواحد والوحيد لا يمكن أن يشرح تعقيدات الواقع ولا يساعد في تحسين الأداء وخوض مراجعات وتصحيح.

وكلما تملك الخوف والهلع ودب في مفاصل القائمين على شؤون المحافظة وسيطر عليهم الارتباك التفتوا إلى خلفهم وقالوا عفافيش والإمارات.

كل هذا يمكن أن يكون صحيحاً لكن الأصح منه ان هناك سوء إدارة واحتكار للحقيقة.

سآخذ مثالا بسيطا لتوضيح الفكرة:

لننظر كيف يعمل رجال الإنقاذ أو الإطفاء مثلًا. هؤلاء لا يتصرفون عشوائيًا أو بتلقائية آنية عكس ما يبدو لنا، بل يتعاملون وفق إجراءات محددة ومدروسة، تمر بخطوات واضحة ومتسلسلة: خطوة أولى، ثانية، ثالثة… وكأنها قائمة جاهزة أعدّت مسبقاً.

لكن في الحقيقة، هذه “التلقائية” الظاهرة ليست عفوية، بل نتيجة تدريب طويل ومتكرر. فبفضل كثرة التدريب والممارسة، تصبح الإجراءات جزءًا من الوعي المهني لديهم، ينفذونها بسرعة ودقة دون تردد. وفي كل موقف، يكون هناك جملة من التقديرات، وسلسلة من الخطوات، وخيارات متعددة يعاد تقييمها بحسب الموقف.

كثير من الحوادث تبدأ بشرارة بسيطة أو حادث عادي أو انهيار مبنى أو حادث طريق لكنها لا تخلو من تبعات سياسية خصوصا في البلدان الديمقراطية.

 طريقة التعامل معها هي التي تحدد إن كانت ستبقى محدودة أم تتطور إلى أزمة وذلك يعود إلى المهنية وتخصيص موارد والتعامل الجاد والشفافية وحيادية المؤسسة الانقاذية.

رجال الإنقاذ يتعاملون مع كل موقف بعد أخذ كل الاحتمالات بعين الاعتبار، وهذا ما نفتقر إليه في مؤسساتنا الأمنية.

علاقتهم بالمجتمع والتزامهم باللوائح هي التي تعزز الثقة بينهم وبين الناس. وهذا ما ينقص في تعز كحالة تجسيدية للشرعية اليمنية ككل.

نحن بحاجة لأن تتعلم المؤسسة الأمنية أن تتعامل بالمهنية ذاتها. هذه المهنية لا تنشأ تلقائيًا، ولا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى تدريب جاد، ورفع كفاءة، واختيار الأصلح لا الأقرب أو الأكثر ولاءً.

شروط إنشاء المقاومة وبناء المؤسسات الأمنية التي ظهرت أول الحرب لم تعد صالحة للاستمرار.

التحالفات العشوائية المختلطة بالفساد واقتصاد الحرب لا يليق بتعز.

هذه نقطة يجب أن نكون واضحين فيها: يمكننا أن نختار الشخص المناسب ظاهريًا في ولائه، لكن ذلك وحده لا يكفي ما لم يتم تدريبه تدريبًا حقيقيًا يجعله مؤمنًا بالمؤسسة، منتميًا لمهنته، حريصًا على إنجاز المهام الموكلة إليه بإخلاص وكفاءة، لا لمجرد إرضاء الجهة التي يتبعها والقادم منها وإلا سنكون أمام دولة داخل الدولة وكيانات سرية تمسك بخيوط اللعبة وتتحكم بمفاصل القرار .

بعد كل هذه السنوات، كان من المفترض أن تكون هناك قدرة أكبر على إدارة الأزمات أمنيًا وسياسيًا، وأن تتوفّر آلية واضحة لتقدير الموقف العام، وفهم تفاعل المجتمع المحلي مع التطورات واستيعاب رهانات الأطراف المختلفة ورغبتها في الاستثمار لجني منافع سياسية.

الأهم من ذلك أن تكون هناك جهة أمنية واحدة مسؤولة أمام المواطنين، تستجيب لهم، وتكون المصدر الأول للمعلومة، بدلًا من حالة التشتت والعشوائية والفوضى السياسية والإعلامية.

المفترض أن تكون اللجنة الأمنية هي أول من يتحدث، وهي التي تبادر في توجيه الموقف العام، وتملك القدرة على قيادة الرأي العام عبر الوقائع لا عبر الإشاعات أو الاتهامات.

لكن ما نراه اليوم هو تجاوزات كثيرة من بعض الجهات خصوصا هذا اللواء الذي جعل من ريف الحجرية إقطاعية خاصة واقحمها في عبث وانتهاكات وتجاوزات، وقد أكدت الهيئة الوطنية للتحقيق حجم الانتهاكات المتزايدة. للأسف، أصبحت بعض المناطق مرتعًا للفوضى وضعف الانضباط.

لذلك، من الضروري أن تُعطى الأجهزة الأمنية صلاحياتها بشكل مهني، وأن تتعامل مع الناس بمسؤولية واحترام، لا أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونتهرب من المحاسبة. فالمسؤوليات واضحة منذ اليوم الأول لنشوء هذه الوحدات الأمنية، والتي كانت نتاج حركة تعبئة مجتمعية وسياسية شاركت فيها شخصيات عديدة والأحزاب وعلى رأسها الإصلاح في سبيل الدفاع عن تعز.

في مناطق أخرى غير تعز، قد تكون الأعراف القبلية وسيلة لاحتواء الأزمات. أما في تعز، فالوضع مختلف، إذ تفتقر تعز إلى شخصيات اجتماعية كبيرة قادرة على أن تكون مصدر ثقة وضبط للفوضى وكبح التجاذبات.

تناول الدكتور عبد القادر الجنيد هذه الجزئية بتكثيف وصراحة مباشرة.

المطلوب أن تظهر شخصيات وطنية مهنية، أو كبار من رجالات الدولة، يتمتعون بالاحترام والقدرة على لملمة الوضع وتهدئته.

اعادة تدوير المشيخ في تعز لا يعني تقديم حلولا نافعة بقدر ما يعني إعادة تدوير الصراعات ونسف اسس التسييس القائم واستصناع ولاءات هشة مرتهنة للموارد القادمة من الخارج وتقويض المحافظة.

أما الحل الثاني، فهو الالتزام الدقيق بالقانون. فهذا الحل يمكن أن يعوّض غياب الشخصيات الكاريزمية القادرة على فرض حضورها. إن احترام القانون واللوائح والإجراءات الرسمية كفيل بأن يجعل الناس في تعز أكثر تجاوبًا مع الدولة، وأكثر ثقة في مؤسساتها.

في الاخير، أود أن أوضح أنني أحرص دائمًا على الكتابة بهدوء ومن دون انفعال أو تحريض، وأتناول القضايا انطلاقًا من موقف مرتبط بالشأن العام، أو بدافع الرغبة في التحديث والإصلاح. لذلك، أرفض الانخراط في الحملات الإعلامية، لأنها في النهاية تُحسب على أطراف مختلفة، ولا تخدم المصلحة اليمنية، ولا قضيتنا الأساسية المتمثّلة في استعادة الدولة، ولا حتى في مواجهة الأخطار التي تمرّ بها البلاد، وعلى رأسها خطر جماعة الحوثي التي ما تزال تُطيل أمد الأزمة وتعمّق الانقسام.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تغيير مسار رحلات النقل البري بين اليمن والسعودية

كريتر سكاي | 651 قراءة 

طارق صالح: اليمن تحتاج دعم العالم لحماية أمنها البحري ومواجهة التطرف

حشد نت | 610 قراءة 

حذر من تلميع " الكهنوت".. التكتل الوطني للأحزاب يدين استضافة عبدالملك الحوثي في المؤتمر القومي العربي ببيروت

حشد نت | 529 قراءة 

استمع لكلمة زعيم الحو ثيين.. ماهو موقف طارق صالح من انضمام شقيقه للمحور الايراني؟ هل هو تبادل ادوار؟

كريتر سكاي | 470 قراءة 

  غارة جوية تستهدف مخبأً سرياً لعبدالملك الحوثي في صعدة وإصابة أحد أقاربه .. واعتقالات تطال موظفين في الأمم المتحدة .. عاجل

مأرب برس | 464 قراءة 

خيانة تحت أعين القومية في مؤتمر بيروت: المخلافي يصفق لعبدالملك الحوثي ويدافع عن إيران

عدن تايم | 455 قراءة 

ضـ.ـربة جوية تستهدف موقعا في صعدة وابناء عن استهـ.ـداف عبدالملك الحـ.ـوثي

صوت العاصمة | 445 قراءة 

ميكرفون برّان | ما المدينة الأنسب لاحتضان جلسات البرلمان اليمني في ظل منع انعقاده بعدن؟ (فيديو)

بران برس | 409 قراءة 

صورة أولية للانفجار الذي حدث الليلة

كريتر سكاي | 393 قراءة 

تمرد قبلي في خولان يربك خطط الحوثي العسكرية شرق اليمن

تهامة 24 | 382 قراءة