أصدرت ما تسمي بـ "هيئة التفتيش القضائي" التابعة للحوثيين بصنعاء، قراراً يقضي بتوزيع عشرات العناصر التابعة لها في عشرات المحاكم بأمانة العاصمة والمحافظات الخاضعة لها لتدريبهم تمهيداً لتعيينهم في السلك القضائي، في خطوة اعتبرتها مصادر حقوقية أنها تأتي ضمن نهج لاختطاف القضاء وبناء هيكل جديد على أساس مذهبي.
وتشير الوثائق الصادرة عن الهيئة ، إلى توزيع 83 شخصا من خريجي دورة تأهيلية لما يسمى بعلماء الشريعة في المحاكم الخاضعة للجماعة للتدريب.
ويأتي القرار الحوثي تنفيذاً لخطة حوثية للتغيير الجذري للسيطرة أكثر فأكثر على القضاء من داخل الجماعة الحوثية دون اشتراط أن يكونوا قد تخرجوا من المعهد العالي للقضاء.
وكانت جماعة الحوثي قد أصدرت قراراً بتعيينات لموالين لها في المحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى بصنعاء من خارج السلك القضائي.
اختطاف للقضاء
المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) اعتبر القرار الحوثي بأنه يرسّخ نمطًا ممنهجًا لتقويض الحياد القضائي وتحويل المحاكم إلى ساحة تدريب عقائدي تحت غطاء "التأهيل المهني".
وأشار المركز إلى أن هذا القرار يأتي في سياق خطير يعكس استمرار جماعة الحوثي في تسييس القضاء واختطافه من مساره المهني المستقل، وتحويله إلى أداة طائفية تخدم مشروع الجماعة بعيدًا عن معايير العدالة والنزاهة وسيادة القانون.
وأكد أن قيام هيئة التفتيش القضائي بتوزيع خريجين يحملون تكوينًا شرعيًا لا قضائيًا على المحاكم بغرض "التدريب تمهيدًا للتعيين" لا يعدّ مجرد خطأ إدارياً، بل يمثل إعادة هندسة ممنهجة للبنية القضائية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وإقحام عناصر مؤدلجة في صميم مؤسسة يفترض أن تكون محايدة ومستقلة.
وأضاف أن القرار يكشف بوضوح عن توجّه رسمي لدى الجماعة لشرعنة استبدال القضاة المهنيين بخريجين دورات تدريبية شرعية من خلفيات فكرية ودينية مذهبية محددة، وهو ما يقوّض مبدأ الفصل بين السلطات وينتهك جوهر استقلال القضاء الذي كفله الدستور اليمني وقانون السلطة القضائية والمواثيق الدولية، لاسيما مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية (1985).
ونوه المركز إلى قيام جماعة الحوثي في وقت سابق بتعديل قانون السلطة القضائية لتمنح رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع لها صلاحيات التعيين القضائي، في تجاوزٍ صارخ لمبدأ استقلال المؤسسات القضائية عن السلطة التنفيذية أو السياسية. مشيراً إلى أن القرار الأخير يأتي امتدادًا لتلك التعديلات التي تهدف إلى إحكام السيطرة الكاملة على القضاء اليمني وتحويله إلى ذراع تنفيذي للجماعة وأداة من أدوات القمع.
وأكد المركز أن هذا الإجراء يفتح الباب أمام موجة جديدة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق المتقاضين، ويفقد المحاكم ما تبقّى من ثقة وشرعية لدى المواطنين، ويكرّس نهج الإفلات من العقاب عبر قضاء تابع وغير نزيه.
وطالب المركز جماعة الحوثي بإلغاء القرار الصادر عن هيئة التفتيش القضائي فورًا ووقف جميع مسارات "التدريب والتعيين" المبنية على معايير غير مهنية، كما يدعو إلى إعادة الاعتبار لمبدأ استقلال القضاء وفقًا للدستور اليمني والمواثيق الدولية التي تضمن حياد المؤسسات العدلية وتحصينها من التأثير السياسي.
وحثّ المركز الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ومقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين على اتخاذ موقف حازم تجاه الانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها السلطة القضائية في مناطق سيطرة الحوثيين، ويدعو إلى موقف دولي واضح يرفض تسييس القضاء ويطالب بإعادة هيكلته تحت إشراف وطني مستقل وبضمانات مهنية حقيقية.
وشدد المركز على أن استمرار هذه الممارسات يُهدد ما تبقّى من مقومات العدالة في اليمن، ويجعل من مؤسسات القضاء أدوات للقمع الممنهج لا لإنصاف الضحايا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news