تقرير | موافقة رئاسية على تحرير سعر الدولار الجمركي.. ما جدوى ذلك من منظور اقتصادي؟ وما انعكاساتها على الوضع المعيشي؟

ضمن موافقته المعلنة، على خطة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة المقدمة من رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها، وزير المالية "سالم بن بريك"، أقرّ مجلس القيادة الرئاسي، تحرير سعر الدولار الجمركي، في ضوء الخطة المقرّة من قبل مجلس الوزراء.

مع ذلك، قرن مجلس القيادة الرئاسي، تنفيذ تحرير سعر الدولار الجمركي، بضبط الإيرادات "المشتتة"، في المحافظات المحررة، وإيداعها في حساب الحكومة العام، طرف البنك المركزي اليمني في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة، وفروعه، وأن يبدأ العمل بتحرير سعر الدولار الجمركي، بعد أسبوعين من ضبط الإيرادات.

وخلال الأشهر الماضية، تحدثت تقارير إعلامية، بأن الحكومة اليمنية، تخطط لرفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100%، أي من 750 ريالاً إلى ما يعادل السعر في السوق، الذي تجاوز حاجز 2700 ريال.

ومطلع عام 2023 أقرت الحكومة رفع سعر الدولار الجمركي على البضائع غير الأساسية بنسبة 50 في المائة من 500 ريال إلى 750 ريالاً، مع تأكيد أنها لن تمس السلع الأساسية المعفاة أصلاً من الرسوم الجمركية.

والدولار الجمركي، يعرف بأنه سعر العملة الأمريكية مقابل العملة المحلية، التي تستخدمه، الجهات والمنافذ الجمركية، لتحديد قيمة الجمارك والضرائب المستحقة عل البضائع المستوردة.

وسعر الدولار الجمركي يؤثر على أسعار معظم السلع المستوردة من الخارج، فكلما ارتفع سعر الدولار الجمركي ارتفعت أسعار السلع، بينما لا تتأثر السلع المحلية خاصة أنها منتجة محليا.

دراسة جدوى

وعن جدوى تحرير سعر الدولار الجمركي من منظور اقتصادي؟ وانعكاسات ذلك على الوضع المعيشي؟، أكد الصحفي المختص بالاقتصاد، "وفيق صالح"، على ضرورة دراسة جدوى تلك القرارات ومدى تأثيرها بشكل إيجابي وفعال، على تعزيز المالية العامة للدولة، ومعالجة فجوة العجز المالي، وكذلك من ناحية أخرى مدى انعكاسها على المستهلك وتضخم المستوى العام للأسعار 

وقال "صالح" في حديث لـ"بران برس": "بعيداً عن التصلب في ثنائية التأييد أو الرفض لهذه الخطوة، يرى أن المصفوفة التي أقرها مجلس القيادة "ستكون مقبولة ومعقولة"، إذا كانت تأتي ضمن استراتيجية شاملة للإصلاح الاقتصادي وتحقيق التعافي، والاستفادة من كافة موارد الجمهورية اليمنية.

وأكد الصحفي الاقتصادي على ضرورة "العمل على تنفيذ برامج للاستفادة المثلى من الموارد، بعيداً عن الهدر والتسرب المالي، ومكافحة العشوائية والاختلالات في الدوائر الحكومية، وبنفس الوقت تحمي المستهلك وتعزز القدرة الشرائية للمواطن".

أين يكمن التحذير؟

وحذّر من تنفيذ قرار تحرير سعر الدولار الجمركي، بشكل انتقائي، دون العمل على إصلاح بقية القطاعات الإرادية المعطلة، والتغاضي عن بقية الخطوات، مؤكداً أن تلك الخطوات، أو المصفوفة، تشكل حلقة دائرية من الإصلاحات الضرورية.

وبرأي الصحفي "صالح"، فإنه إذا شهدت أسعار السلع ارتفاعاً جديداً في الأسواق، ونقلت الأعباء المالية إلى المستهلك أو المواطن، ولم يتم التوازن بين احتياج مالية الدولة لتغطية العجز، وبين احتياجات السكان في استقرار الأسواق وتحسين أسعار السلع، ففي هذه الحالة ستكون المصفوفة "غير موفقة"، كما أنها ستفاقم من الضغوطات على الوضع المعيشي للمواطنين وعلى الاقتصاد الكلي بشكل عام.

ويرى أن الحل، يكمن في أن يكون تنفيذ هذه المصفوفة، وفق دراسة دقيقة وواقعية، تراعي توازن المصالح العامة للجميع، وعلى رأس ذلك يأتي المواطن، الذي دفع ثمناً باهظاً، طوال السنوات الفائتة، لانعدام الإصلاحات وتفشي الاختلالات الإدارية والمالية.

تصحيح لمعادلة مختلة

في السياق، أكد المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية "فارس النجار"، أن "تحرير الدولار الجمركي"، لا يستهدف القوت اليومي ولا السلع الأساسية، بل يصحح معادلة مختلة، ظلت تثقل كاهل الدولة وتخدم فئة محدودة من كبار التجار".

وأضاف في مقال أرسله لـ"بران برس"، إنه "لسنوات ظل سعر الدولار الجمركي ثابتًا عند مستوى لا يعكس الواقع الاقتصادي ولا سعر السوق، فكانت النتيجة فجوة ضخمة بين ما تُحصّله الدولة وما يربحه التاجر، التاجر يسعّر بضاعته على أساس السعر الحقيقي للدولار، بينما يدفع جماركه بسعر أقل، فيربح مرتين، من السوق ومن الخزينة العامة".

وذكر أن المواطن لم يكن في أي يوم مستفيدًا من تلك الفجوة، بل دفع ثمنها في صورة تراجع الخدمات، وانقطاع المرتبات، وتآكل قدرة الدولة على الصمود، مشيراً إلى أن القرار يعد من أهم القرارات الاقتصادية منذ بداية الحرب، وأنه لم يأتِ ليزيد الأعباء، بل ليغلق أوسع ثغرات الفوضى المالية التي استنزفت موارد الدولة، وليعيد الانضباط إلى علاقة الحكومة بالمحافظات والبنك المركزي.

وأوضح أن القرار، يرسم خريطة طريق جديدة، كل الإيرادات العامة الجمركية والضريبية والنفطية تُورّد إلى البنك المركزي بعدن، وجميع الحسابات خارج النظام المالي تُغلق، والمحافظون ممنوعون من التدخل في المنافذ أو منح إعفاءات أو فرض جبايات محلية. والرسوم غير القانونية تُلغى بالكامل. هذه الخطوات ليست إجراءات شكلية.

وأشار إلى أن تحرير الدولار الجمركي، حين يُفهم في سياقه الكامل، ليس قرارًا ماليًا فحسب، بل تحوّل مؤسسي يعيد للدولة قدرتها على إدارة مواردها بكفاءة، إنه إعلان غير معلن عن بدء مرحلة جديدة من الانضباط المالي والسياسي، مرحلة تُعيد الثقة بأن الدولة قادرة على الصمود والإصلاح في آنٍ واحد.

خطة الإصلاحات

ومساء أمس السبت، أعلن مجلس القيادة الرئاسي موافقته على خطة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة المقدمة من رئيس الحكومة وزير المالية سالم بن بريك، حيث أصدر بذلك مرسوماً رئاسياً تضمن مجموعة من القرارات والإجراءات لتنفيذ خطة الإصلاحات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.

المجلس أقر معالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل وتوريد الموارد العامة في المحافظات من خلال إلزام كافة المحافظات، وفي مقدمتها (العاصمة المؤقتة عدن - مأرب - حضرموت - المهرة - تعز)، بعملية توريد كافة الإيرادات المركزية إلى الحسابات المخصصة لها (حساب الحكومة العام) طرف البنك المركزي اليمني وفروعه في المحافظات، ومنع تجنيب أو الصرف من هذه الموارد تحت أي مبرر.

المرسوم الرئاسي الخاص بتنفيذ خطة الإصلاحات الاقتصادية، ألزم محافظي المحافظات بعدم التدخل بأعمال وشؤون المنافذ الجمركية سواء بمنح أي تخفيضات أو إعفاءات جمركية أو أي تدخلات غير قانونية أخرى.

وتضمن كذلك أن تخضع كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية للإجراءات الجمركية الحكومية، بشكل مباشر بما في ذلك إجراءات المكتب الفني، وكذلك إلغاء كافة الرسوم غير القانونية المفروضة من قبل محافظي المحافظات أو الوزارات أو تحصيل أي رسوم بسندات غير قانونية بالمخالفة لأحكام القوانين واللوائح المنظمة.

كما تضمن إغلاق كافة المنافذ البحرية المستحدثة بالمخالفة للقوانين المنظمة (قنا - الشحر - نشطون - رأس العارة)، وإلغاء كافة الصناديق المستحدثة بدون أي إجراءات قانونية، عدا عن إخضاع كافة الميزانيات للرقابة الحكومية، ويتحمل صندوق صيانة الطرق مسؤولية الإشراف عليها واتخاذ ما يراه بشأنها.