منذ أن أعلنت السعودية في مارس 2015 ما سُمِّي بـ”عاصفة الحزم”، كانت هي القائد الفعلي والمباشر لما عُرف لاحقًا بتحالف العدوان على اليمن. فهي من بدأت الحرب بقرار أحادي، وجمعت حولها مجموعة من الدول لتبرير تدخلها العسكري السافر تحت ذرائع واهية كإعادة “الشرعية” ومواجهة “الانقلاب”، بينما كان الهدف الحقيقي هو إخضاع اليمن وكسر إرادته الوطنية والسيطرة على قراره السياسي وموقعه الجغرافي الاستراتيجي.
لم تكتفِ السعودية بإطلاق العدوان، بل كانت هي من شكّل التحالف العسكري، وهي من حدد اتجاهاته ومهامه، كما أنها من شكّلت ما يسمى بـ”المجلس الرئاسي” الذي جاء بقرار سعودي خالص، دون أي إرادة يمنية حقيقية. وتجاوز تدخلها كل الحدود، حتى باتت صاحبة الكلمة الفصل في كل ما يتعلق بما يسمى بـ”الشرعية”، التي أصبحت مرتهنة بالكامل للنظام السعودي، لا تتحرك إلا بتوجيهاته ولا تتخذ قرارًا إلا بإذنه، الأمر الذي يؤكد أن ما يسمى بـ”الشرعية” لم تكن سوى واجهة سياسية لتغطية العدوان وتمرير مشاريعه.
وبعد مرور أكثر من عقد من الحرب والفشل الذريع في تحقيق أي من أهدافها، بدأت السعودية تتنصل تدريجياً من كونها طرفًا رئيسيًا في العدوان، وتحاول الظهور بمظهر “الوسيط” أو “الراعي للسلام”، متناسية أن طائراتها هي التي كانت تقصف المدن اليمنية، وقنابلها المحرمة دوليًا هي التي أبادت الأسر والمدارس والأسواق، وأن الأسرى السعوديين لا يزالون حتى اليوم في قبضة الجيش اليمني، وهو دليل قاطع على أنها لم تكن مجرد “طرف داعم”، بل الطرف القائد والمباشر للحرب.
تنصل السعودية من مسؤوليتها ليس إلا محاولة مكشوفة للهروب من تبعات العدوان القانونية والإنسانية والأخلاقية، خصوصًا بعد أن تحولت الحرب إلى عبء ثقيل عليها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. فهي تحاول اليوم تقديم نفسها كطرف “باحث عن السلام”، بينما تتغاضى عن حقيقة أنها من أشعلت الحرب، ومولت مليشياتها، وفرضت الحصار الخانق على الشعب اليمني، وتدخلت في كل تفاصيل المشهد اليمني لتبقي القرار الوطني مرتهنًا بيدها.
إن هذا السلوك يعكس فشل المشروع السعودي في اليمن وفقدانها القدرة على الاستمرار في المواجهة بعد أن تكسرت هيبتها أمام صمود الشعب اليمني وقدراته العسكرية المتطورة. فالهروب من المسؤولية لا يمحو الجرائم، ولا يغيّر من حقيقة أن العدوان بدأ من الرياض، وأن كل ما جرى بعد ذلك كان نتيجة مباشرة لقرار سعودي متهور جلب الويلات للمنطقة بأسرها.
وفي النهاية، فإن التاريخ لا ينسى، والحقائق واضحة: من قصف صنعاء وصعدة والحديدة، ومن قتل الأطفال والنساء في الأعراس وصالات العزاء، ومن فرض الحصار على مطار صنعاء وميناء الحديدة، هي السعودية وتحالفها. أما محاولتها اليوم التنصل من المسؤولية فلن تنطلي على أحد، لأن العدوان له بصمة واحدة واضحة لا يمكن إنكارها، بصمة سعودية خالصة.
  
  تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية  عبر  Google news