مليشيا الحوثي.. كهنوتٌ معاصر يبتلع الدولة ويقتل الجمهورية
قبل 13 دقيقة
لم يعد خافيًا على أحد أن مليشيا الحوثي الإرهابية تمثل اليوم أكبر تهديد لليمنيين ولدولتهم وهويتهم الوطنية. فمنذ انقلابها الأسود على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014، وهي تمارس أبشع صور القمع والنهب والتدمير باسم “الولاية” و”الحق الإلهي”، متناسيةً أن اليمنيين قد دفنوا مشروع الكهنوت قبل أكثر من ستين عامًا بثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة.
ما تمارسه المليشيا اليوم ليس سوى نسخة مكرّرة من حكم الأئمة الذين جرّوا البلاد إلى قرونٍ من الجهل والعزلة. فهي تسعى لإعادة إنتاج نظامٍ سلالي بغيض يقسّم اليمنيين إلى سادةٍ وأتباع، في انتكاسةٍ خطيرة لقيم الحرية والمواطنة المتساوية التي قدّم الشعب اليمني من أجلها أنهارًا من الدماء.
يحكم الحوثي بشرعية الغاب وقوة السلاح؛ فلا قانون ولا مؤسسات دولة في مناطق سيطرته، بل شبكة من المشرفين ينهبون الناس باسم “المجهود الحربي”، ويكمّمون الأفواه باسم “الهوية الإيمانية”.
تحوّلت مؤسسات الدولة إلى أدواتٍ بيد المليشيا، والمدارس إلى منابر لتلقين الأطفال أفكارها الطائفية، والمساجد إلى ساحاتٍ لتمجيد دجّال الكهنوت عبدالملك الحوثي. حتى الجامعات لم تسلم من تغوّلها، إذ أضحت ميادين للتعبئة السلالية وجباية الأموال من الطلاب والخريجين.
وفي ظل حكم المليشيا، لم يعد الاقتصاد وسيلةً للعيش الكريم، بل أداةً للنهب المنظم. فقد حُرم الموظفون من رواتبهم منذ سنوات، بينما تجبي المليشيا المليارات من الضرائب والجمارك والزكاة، لينعم مشرفوها بثرواتٍ منهوبة من قوت الشعب تحت لافتة “المجهود الحربي”، فيما يعيش المواطن في فقرٍ مدقع.
إنها مليشيا كهنوتية لا تؤمن بالحياة الحزبية ولا تقبل بأي رأيٍ مخالف. فقد شنّت مؤخرًا حملات اختطافٍ ضد السياسيين والنشطاء وقيادات الأحزاب، وفي مقدمتهم الأخ غازي أحمد علي محسن، أمين عام حزب المؤتمر الشعبي العام.
ليلًا ونهارًا تُداهم المليشيا منازل المواطنين في مناطق سيطرتها، تختطف المارة من الشوارع، وتزجّ بهم في سجونٍ سرية بلا تهمٍ أو محاكمات، في مشهدٍ يعكس عقلية حكمٍ شمولي لا يرى في الإنسان سوى تابعٍ منزوع الإرادة والحق.
مشروع الحوثي ليس مشروع دولة، بل مشروع سلالةٍ تريد أن تحكم إلى الأبد باسم الدين والحق الإلهي. إنه مشروع ظلامي يقوم على إلغاء المواطنة وتحويل اليمن إلى إمارةٍ طائفية مغلقة، لا مكان فيها للحرية أو التعددية أو الرأي الآخر. لكن ما يجهله الحوثي أن الجمهورية ليست نظامًا سياسيًا فحسب، بل هي عقيدةٌ راسخة في وجدان اليمنيين، وأن الشعب الذي أسقط حكم الأئمة في الماضي لن يقبل بعودتهم في ثوبٍ جديد.
قد تنجح مليشيا الحوثي اليوم في إخضاع الناس بقوة السلاح، لكنها لن تستطيع كسر إرادتهم. فكل جريمةٍ ترتكبها تزيد من عزلتها، وكل مظلمةٍ تولّد مئات الأحرار الرافضين لظلمها.
نهاية المشروع السلالي الحوثي حتمية، فصوت الحرية لا يُكمم، وإرادة الشعب لا تُكسر، واليمن سيبقى جمهوريًا مهما حاولت المليشيا أن تفرض عليه عباءتها الكهنوتية البغيضة.
ومهما طال ليل الحوثي، ستشرق شمس الجمهورية من جديد، فالتاريخ لا يرحم الطغاة، واليمنيون لا ينسون من حاول إذلالهم.
وفي المشهد اليمني الراهن، يتجلّى نموذجٌ صارخٌ لحكمٍ قائمٍ على منطق القوة لا على قوة المنطق، إذ يفرض الحوثي سلطته بما يشبه شرعية الغاب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلاح، ولا قانون يُحترم إلا ما يخدم مصالح الجماعة وأجندتها الأيديولوجية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news