أظهرت قمة الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في كوريا الجنوبية تحولاً ملحوظاً في ميزان القوى بين أكبر اقتصادين في العالم؛ فقد فرضت بكين قدراتها الاقتصادية على واشنطن، مانعة تنفيذ عدة إجراءات عقابية أمريكية، ومُجبرة الطرفين على إعادة طاولة المفاوضات.
ومنذ إعلان ترامب لرسوم "يوم التحرير" في أبريل، شنّت الولايات المتحدة ثلاث مواجهات رئيسية على الأقل: زيادة الرسوم على الصين إلى 145%، وفرض قيود على صادرات المواد النادرة، وتوسيع القيود على أشباه الموصلات. وفي كل مرة، أجبرت بكين واشنطن على التراجع مؤقتًا، مؤكدة مكانتها كخصم اقتصادي قادر على إلحاق أضرار ملموسة بالولايات المتحدة.
ويشير المحللون إلى أن شي ركز خلال القمة على خلق تقارب بين أجندته الوطنية لاستعادة "العظمة الصينية" وأجندة ترامب "لإعادة أمريكا عظيمة"، مؤكدًا على الحاجة لتعاون اقتصادي مستدام وفتح الأسواق الصينية أمام المنتجات الأمريكية، بما يشمل الزراعة والطاقة والطائرات. وفي المقابل، وافقت الولايات المتحدة على تعليق الرسوم والقيود لمدة سنة واحدة واستئناف الصين شراء الصويا الأمريكية؛ ما يعكس تهدئة تكتيكية مؤقتة، لكنها لا تمحو الخلافات الجوهرية بين الطرفين.
ووفق مذكرة بنك بي إن بي باريبا، يمثل تحول إدراك واشنطن لمكانة الصين خطوة غير مسبوقة، إذ لم تعد الولايات المتحدة تتعامل مع خصم ثانوي، بل مع منافس اقتصادي قوي قادر على فرض أضرار مباشرة على مصالحها؛ ما يؤكد صعود بكين إلى مصاف القوى الاقتصادية العظمى ويعيد تشكيل موازين القوى العالمية.
ومن جهته، أكد الأستاذ في معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي، تشاو مينغ هاو، أن "نهج شي في القمة يمثل تغييرًا في الخطاب، إذ إنها تؤدي فقط إلى انفراج تكتيكي وليس إلى إعادة ضبط استراتيجية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين".
وفي الوقت ذاته، أظهرت الصين رغبتها في تعزيز الاكتفاء الذاتي في الصناعات عالية التقنية والابتكار، رغم وجود فائض إنتاج وضعف الطلب الداخلي، معتبرة أن هذه التضحية ضرورية لضمان الصمود الاقتصادي والسيطرة على المعادن الحيوية والبطاريات والتقنيات الأساسية.
وأشار محللون إلى أن الاتفاقيات التي خرجت بها القمة محدودة وطبيعتها مؤقتة، إذ يحتفظ كلا الطرفين بأوراق الضغط لمفاوضات مستقبلية، بينما تستمر المنافسة الجيوسياسية حول تايوان وبحر الصين الجنوبي، إضافة إلى دعم الصين لروسيا في حرب أوكرانيا.
وباختصار، أكدت القمة أن بكين لم تعد الطرف الأضعف في النزاع التجاري والسياسي مع واشنطن، بل أصبحت خصماً متساوياً قادرًا على تشكيل المسار الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل، في حين تظل واشنطن صاحبة الهيمنة التقنية والسوقية، لكنها تواجه تحديات جديدة لإدارة المنافسة الممتدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news