اليمن الاتحادي/ خاص:
في انتهاكٍ صارخٍ لكل المواثيق الدولية ومبادئ العمل الإنساني، امتدت يدُ مليشيا الحوثي لتطال مقارّ الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في صنعاء ومناطق سيطرتها، داهمت المكاتب، واقتحمت المقرات، واختطفت موظفين يمنيين ودوليين، بينهم نساء يعملن في مجالات الإغاثة والإنسانية.
لم تكتفِ المليشيا بعرقلة المساعدات وسرقتها، بل حوّلت العاملين في المجال الإنساني إلى رهائن وأوراق ضغط في مفاوضاتها السياسية، ما أدى إلى شللٍ شبه تام في أنشطة المنظمات وحرمان آلاف الأسر من أبسط حقوقها في الغذاء والدواء والمأوى.
وتجاوزت تلك الممارسات اللا إنسانية حدود الحرب إلى ميدان الإنسان، لتغدو المساعدات الإنسانية ساحة مواجهة، والعاملون عليها أسرى صراعٍ لا ذنب لهم فيه سوى أنهم حملوا رسالة الرحمة إلى بلدٍ أنهكته المآسي.
بالأرقام… عقد من الانتهاكات الحوثية ضد الأمم المتحدة وموظفيها
منذ سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، شرعت في شن سلسلة من الاقتحامات والمداهمات التي طالت مقرات المنظمات الدولية والإنسانية ومكاتب الأمم المتحدة وقامت باختطافات متعددة لعدد من موظفيها الدوليين والمحليين.
– وفيما يلي رصد لأبرز تلك الحوادث منذ انقلاب مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة بالعاصمة صنعاء في 21 من سبتمبر 2014م، وحتى اليوم.
– حيث شرعت بعرقلة عمل البعثات الدولية، ووثّقت تقارير الأمم المتحدة والهيئات الدولية حوادث عديدة قامت فيها المليشيا بمنع وصول المساعدات، ومصادرة منشآت أممية ومحلية، ومع أن توقيتات ووقائع احتجاز موظفي الأمم المتحدة كانت أقل تكرارا أو غير موثقة علنا في السنوات الأولى، فإن نمط الممارسات القسرية بدأ منذ العام 2014 وتزايد لاحقا.
– فمنذ العام 2015وحتى العام 2020 جرت عدة حوادث منفصلة تتعلق بمصادرة المليشيا لمبانٍ أممية ومنع وصول المساعدات واحتجاز مؤقت لموظفين إنسانيين أثناء تنفيذهم مهامهم وبدأ الحوثيون حملات موسعة ضد المنظمات الدولية والمحلية العاملة في صنعاء، واغلقوا ما لا يقل عن 33 منظمة محلية ودولية، واحتجزوا عدداً من الناشطين والعاملين فيها، كما صادروا ممتلكات ومعدات دون أوامر قضائية، وشملت المداهمات منظمات حقوقية وإنسانية كانت تقدم مساعدات للمدنيين في صنعاء وصعدة والحديدة، وفرضت المليشيا قيوداً مشددة على عمل المنظمات الدولية، وأجبرت بعضها على توقيع مذكرات تفاهم تتيح لها التدخل في عمليات التوظيف وتوزيع المساعدات.
كما تمت مداهمة بعض المكاتب الإنسانية الصغيرة وإغلاق مبادرات شبابية كانت تعمل في توزيع الغذاء أو تنظيم حملات دعم للنازحين.
– وفي 19 أكتوبر 2021 داهمت ميليشيا الحوثي عشرات المنازل بصنعاء واختطفت نحو 17 موظفا في سابقا في السفارة الامريكية واتخذتهم رهائن سياسيين لابتزاز المجتمع الدولي، في حين يظل عدد اخر من الموظفين رهن الإقامة الجبرية بصنعاء.
– وفي نوفمبر 2021 تم اعتقال عبد الحميد العجمي وهو موظف سابق بالسفارة الأميركية وتوفي أثناء الاحتجاز في مايو 2022.
– ومن نوفمبر 2021 إلى مايو 2024، اعتقل الحوثيون أربعة موظفين أمميين، وارتفع العدد إلى 17 موظفا في يونيو2024 بعد أن أقدمت الميليشيا على اعتقال 13 آخرين، بينهم ستة موظفين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بينهم امرأة وخمسة رجال إضافة إلى سبعة موظفين آخرين من وكالات أممية مختلفة، بتهم وُصفت بأنها ملفّقة.
– وخلال الفترة نفسها، اعتقلت الميليشيا أكثر من 60 موظفا في منظمات دولية غير تابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى موظفين في منظمات محلية إنسانية، تعرّض معظمهم لانتهاكات جسيمة ومحاكمات ذات دوافع سياسية، وتسببت المليشيا بوفاة هشام الحكيمي، مدير الأمن والسلامة في منظمة سيف ذا شيلدرن، في سجون الحوثيين بعد نحو 50 يوما من اعتقاله من أحد شوارع صنعاء في 9 سبتمبر2023م.
وقد تم إخفاؤه قسريًا، ولم تعرف أسرته مصيره إلا عندما استدعتها سلطات الحوثيين لتسلّم جثمانه، غير أن الأسرة رفضت ذلك وطالبت بـ تحقيق مستقل في ملابسات وفاته.
كما قامت بمحاكمة عدنان الحرازي، مالك شركتي برودجي سيستمز وميديكس كونكت العاملتين في مجال الرصد والتقييم لبرامج المساعدات الدولية، والمعتقل منذ يناير 2023، وأصدرت محكمة حوثية حكما بإعدامه، قبل أن يتم تخفيض الحكم إلى السجن 15 عاما مع مصادرة أمواله وأصوله في أواخر مايو 2025.
وقد وُجهت له تهم سياسية بـ”التجسس لصالح جهات أجنبية”، وتم مداهمة ونهب مقري الشركتين.
– وخلال السنوات الأربع الماضية أكد مركز واشنطن قيام مليشيا الحوثي باختطاف مالا يقل عن 56 موظفا امميا توفي عدد منهم في سجون المليشيا والبعض توفي بعد الافراج عنه بفترة وجيزة إثر الإصابة بنوبات قلبية، وقدرت الأمم المتحدة مؤخرا عدد موظفيها المعتقلين ب 54 موظفا، وتم توجيه تهم غامضة لكثير منهم كالتجسس لجهات اجنبية معادية.
وقادت تلك الاختطافات إلى تعليق أو تقييد عمليات توصيل الغذاء والدواء في مناطق الحوثي، بسبب مخاطر على الموظفين وحرمانهم من حرية الحركة.
– وفي يناير 2024 طالبت مليشيا الحوثي الأمم المتحدة بسحب جميع موظفيها من مناطق سيطرتها ورفض مقرر الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك هذا الطلب.
– ومنذ منتصف العام 2024 وحتى أكتوبر 2025 صعدت مليشيا الحوثي بشكل واسع عمليات الاعتقالات لموظفي المنظمات الدولية بينهم محليين وأجانب والمداهمات لمكاتب الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية، مع توقف جزئي أو تعليق لبعض عمليات الإغاثة في مناطق الحوثيين.
– وفي 31 مايو 2024 شنت مليشيا الحوثي حملة اعتقالات وتمّ اقتحام منازل ومكاتب موظفين ومدنيين وتم احتجاز امرأة تعمل في منظمة مجتمعية، حيث تم احتجاز زوجها وطفليها (3 سنوات و9 أشهر) عند احتجازها
– وفي يونيو 2024 شنت مليشيا الحوثي حملة اعتقالات لعشرات من موظفي الأمم المتحدة ومنظمات مدنية، ففي 7 من يونيو احتجزت المليشيا 11 موظفا على الأقل بحسب تصريحات المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك، وهم تسعة رجال وامرأتان يعملون في خمس وكالات تابعة للأمم المتحدة.
– واحتجز الحوثيون مالا يقل عن 39 موظفا بينهم 4 نساء منذ منتصف يناير العام الجاري وحتى أوائل أكتوبر، بينهم 15 موظفا اجنبيا على رأسهم البريطاني بيتر هوكينز 64 عاما والذي يمثل اليونسيف في اليمن.
– ففي 23 يناير 2025، أعلنت الأمم المتحدة اعتقال الحوثيون ثمانية موظفين إضافيين في الأمم المتحدة، بينهم ستة يعملون في محافظة صعدة، وإخضاعهم للاستجواب، مما أدى إلى تعليق أنشطة ونقل مسؤولين إنسانيين من مناطق تحت سيطرة الحوثيين.
– وفي فبراير 2025، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن وفاة أحد موظفيه المحتجزين، احمد باعلوي، وهو أحد ثمانية موظفين تم اعتقالهم بشكل تعسفي منذ أواخر يناير.
– وبحلول أغسطس 2025، ارتفع عدد الموظفين الأمميين المعتقلين إلى 21 موظفا على الأقل،
– وفي 31 أغسطس داهمت مليشيا الحوثي مقرات برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسف في صنعاء وقامت باعتقال نحو 19 موظفا، تبعتها موجة جديدة من الاعتقالات في سبتمبر وأكتوبر شملت ما لا يقل عن 10 موظفين آخرين، كما تمت مصادرة ممتلكات وأجهزة اتصال.
وأعلنت الأمم المتحدة آنذاك أن ما حدث يمثل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، فيما أُجبرت على تعليق جزء من عملياتها الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
– وفي 18 أكتوبر 2025 داهمت مليشيات الحوثي سكنا مخصصا لموظفي الأمم المتحدة الأجانب بصنعاء واختطفت نحو 20 موظفا بعد مصادرة هواتفهم وأجهزة الحاسوب الخاصة بهم، وأفرج عن بعضهم لاحقا.
تزامن ذلك مع استمرار احتجاز أكثر من 50 موظفاً يمنياً يعملون مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى منذ عام 2021، بعضهم لا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم.
– ووصفت شخصيات أممية سابقة العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بأنه من أكثر البيئات عدائية وخطورة على العاملين الإنسانيين في العالم، في وقت اعتبرت فيه وكالات أممية أن التصعيد الحوثي ضد منظمات الأمم المتحدة هناك غير مقبول ولا يُحتمل.
اعتداءات واقتحامات واختطافات في قلب العمل الإنساني
إلى جانب تلك الاعتقالات، نفّذت الميليشيا الحوثية مداهمات متكرّرة لمكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، قامت خلالها بتدمير ومصادرة ممتلكات، ما أجبر العديد من الوكالات الإنسانية على تقليص نشاطها أو تعليق عملياتها في مناطق سيطرة الحوثيين، ونقل بعض مكاتبها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة عدن.
– ولا يزال العشرات من العاملين الإنسانيين رهن الاحتجاز في ظروف صحية ونفسية متدهورة، ويتعرّضون للإهمال المتعمد والتشهير الإعلامي.
وقد أُجبر بعضهم على الإدلاء باعترافات قسرية في وسائل إعلام حوثية، زُعم فيها زورا أنهم يعملون لصالح حكومات أجنبية.
كما يظل الكثير منهم مخفيين قسريا، دون أن تعرف أسرهم أماكن احتجازهم أو أوضاعهم. ورغم المناشدات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، تواصل الميليشيا رفض إطلاق سراحهم أو منحهم محاكمات عادلة.
– وكان قد صدر عن منظمات الأمم المتحدة عدة مواقف وإدانات رسمية واتُخذت إجراءات حماية عملية (تقييد رحلات، إجلاء دوليين، نقاشات في مجلس الأمن)، لكن الردّ الأممي اعتُبر غير كافٍ مقابل اتساع نمط الاعتداءات والاعتقالات المتكررة، الاقتحامات، الموت داخل الاحتجاز.
– ورغم امتلاك الأمم المتحدة أدوات دبلوماسية وإعلامية وضغط سياسي يمكنها من فرض عقوبات مباشرة أو حماية قسرية للموظفين داخل مناطق مليشيا الحوثي الا انها اكتفت بإصدار البيانات والتصريحات، دون اليات رادعة وفاعلة ورغم مطالبات منظمات أخرى دولية ومحلية بتصعيد دولي أكثر فاعلية، واعتبرت أن تحرّكات الأمم المتحدة والبيانات لم تواكِب حجم الخطر على الموظفين وسلامة إيصال المساعدات.
كما قامت الأمم المتحدة بالاعتماد على قنوات تفاوض خلفية غير معلنة نجحت أحيانا في الإفراجات الفردية لكنها لم توقف نمط الاعتقالات.
– ويرى مراقبون أن على الأمم المتحدة رفع مستوى الرد عبر شن حملات ضغط دبلوماسية مشتركة من واشنطن، بروكسل، جنيف، وعواصم مانحة تُرافقها عقوبات موجهة ضد مسؤولين محددين عن تلك الانتهاكات، وطلب تحقيق دولي مستقل في حالات الاحتجاز والتعذيب والوفاة داخل السجون، بالإضافة الى عمل بروتوكولات حماية وعمليات إخلاء أسرع، وحماية قانونية لعائلات الموظفين، ويجب ألا تُستأنف أي عمليات كاملة للمنظمات في مناطق سيطرة الحوثي دون تفاهمات واضحة تضمن سلامة موظفيها.
– ومؤخرا قام برنامج الغذاء العالمي بإنهاء عقود أربعة موظفين محليين غير معتقلين، مما يجعلهم عرضة للاعتقال، ممايمثل تنصلا واضحا من المسئولية تجاههم.
_ في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٥ اقتحام الحوثيين مكتب المبعوث الأممي ومنظمة الفاو واعتقال عدد من الموظفين الأمميين، بعد يوم واحد فقط من تعيين الأمم المتحدة للسيد معين شريم لقيادة جهود الإفراج عن موظفيها المعتقلين بصنعاء،
ليصل عدد المختطفين إلى 55 موظفا خلال الايام القليلة الماضية، اخرهم امرأتين من نسرين الشرماني، موظفة في قسم الخدمات والسفريات ببرنامج الغذاء العالمي وحنان الشيباني، موظفة في قسم الخدمات والبروتوكول بالبرنامج.
صمت أممي يخذل الضحايا
وأمام هذا المشهد المظلم الذي تغيب فيه العدالة وتتراجع فيه القيم الإنسانية، يبرز التساؤل الملحّ: إلى أي مدى ما زال للعاملين في المجال الإنساني حماية تضمن لهم أداء مهامهم في بيئة آمنة؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يواجه هذه الانتهاكات التي تمس جوهر القانون الإنساني الدولي؟
لتبقى هذه الانتهاكات بحق العاملين الإنسانيين وصمة عارٍ في سجلّ جماعةٍ لا ترى في القانون ولا في الإنسان سوى وسيلةٍ لخدمة أجندتها.
فحين تتحول مقارّ المنظمات الدولية إلى ساحات ترهيب، وتُغلق أبواب المساعدات في وجه الجائعين، يصبح الصمت تواطؤا، والموقف الإنساني واجبا لا خيارا.
اليمن اليوم لا تحتاج بيانات شجبٍ جديدة، بل موقفا دوليا حازما يعيد للإنسان مكانته، وللعمل الإنساني قدسيته، وللضحايا والمختطفين وعدا بالحرية والعدالة التي طال انتظارها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news