منحت قيادة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران قادتها العسكريين في المحافظات والمناطق سلطات مطلقة، محوّلة تلك المناطق إلى ما يشبه "إقطاعيات" خاصة يديرها أشخاص يعيّنهم زعيم الجماعة كمندوبين ساميين ومشرفين وممثلين له. وغالباً ما يكون هؤلاء من أقارب "السيد" أو المقربين منه، يتم اختيارهم وفق اعتبارات عائلية ومناطقية، مع أولوية واضحة لأبناء طبقة "الهاشميين"، السلالة التي يزعم الحوثي انتماءه إليها.
وتُحكم الجماعة قبضتها على المناطق الخاضعة لسيطرتها بقبضة عسكرية وأمنية صارمة، فارضة منطق القوة على مختلف الهياكل الإدارية والمحلية، ووزّعت الخارطة الجغرافية لمناطق نفوذها إلى ست مناطق عسكرية أشبه بـ"ولايات" أو "إمارات"، يتولى إدارة كل منها "حاكم عسكري" يعيّنه زعيم الجماعة بنفسه، ويمارس صلاحياته بأمر مباشر منه وتفويض كامل باسمه.
في غير مرة، يظهر قادة المناطق العسكرية الحوثيون في مناسبات عديدة على رأس اجتماعات رسمية يجلس حول طاولاتها محافظون ومسؤولون مدنيون وأمنيون، يُستدعون لتلقي التوجيهات من قادة يُفترض أنهم أدنى منهم مرتبة في الهيكل الإداري للدولة.
فالمحافظ، بحكم منصبه الذي يعادل درجة وزير، يفترض أن يكون أعلى من قائد المنطقة عسكرياً وتنظيمياً، غير أن الواقع في مناطق الحوثيين مختلف؛ إذ يجري تعيين المحافظين – وغالباً ما يكونوا شخصيات محلية موالية للفكر الحوثي – لأغراض سياسية وقبلية، بهدف إضفاء مظهر من الشراكة الشكلية واحتواء المجتمعات المحلية وإخضاعها.
بعض قادة المناطق العسكرية الحوثية في اجتماع
يحظى ما يُعرف بـ"حكام المناطق" في سلطة الحوثيين بنفوذ واسع وصلاحيات شاملة عسكرية وأمنية وإدارية، توازي سلطات "رؤساء أقاليم". وغالباً ما يكون هؤلاء من أقارب زعيم الجماعة أو أصهاره ومنتمين إلى السلالة الهاشمية في صعدة، وقد انتدبوا لفرض "الولاية" على المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. وفي التغطيات الإعلامية يتم إبراز قادة المناطق على حساب المحافظين.
وتخضع لهؤلاء عسكرياً قيادات المحاور والقطاعات الأمنية، إضافة إلى المحافظين الذين يُفترض – نظرياً – أنهم السلطة المحلية العليا ورؤساء اللجان الأمنية والعسكرية في محافظاتهم. لكن في الواقع، تُدار المحافظات فعلياً من قبل المشرفين، الذين يشغلون مناصب مثل "الوكيل الأول" أو "وكيل شؤون الدفاع والأمن"، ويمارسون مهام المحافظ والحاكم الفعلي.
واستحدثت الجماعة خلال الفترة الأخيرة، منصب "مسؤول التعبئة العامة" الذي يجمع صلاحيات تنظيمية وعسكرية واسعة، ويتولى الإشراف على التجنيد والاستقطاب العسكري والفكري وجباية الموارد. وفي بعض الحالات، يتولى الشخص ذاته مهام المشرف ومسؤول التعبئة في آن واحد، في إطار منظومة سلطة أمنية مطلقة تمتد من القيادات العليا حتى مسؤولي الأمن في المحافظات والمديريات والمربعات.
عبدالخالق الحوثي.. حاكم صنعاء وطوق العاصمة
في صنعاء، عيّنت الجماعة الحوثية عبدالكريم بدرالدين الحوثي، الشقيق الأصغر لزعيم الجماعة، قائدا للمنطقة العسكرية المركزية، التي تمتد مسئوليتها في أمانة العاصمة، ومحافظة صنعاء، مناطق طوق صنعاء الممتدة في 16 مديرية، وتمتد إلى مديرية مجزر شمالي غرب محافظة مأرب.
المنطقة المركزية استحدثتها الجماعة منذ أواخر نوفمبر 2017، وعيّنت عبدالخالق، المولود في الثمانينات بصعدة واسمه الجهادي (أبو يونس) على رأس المنطقة، وجعلت تحت سلطته قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب وألوية الحماية الرئاسية.
في الصورة، عبدالخالق الحوثي بجانب مهدي المشاط وإلى يساره الغماري والصوفي
في العاصمة صنعاء عيّنت الجماعة القيادي المؤتمري سابقا حمود محمد عباد، المنحدر من ذمار، أمينا لأمانة العاصمة، والقيادي المتطرف خالد يحيى محمد المداني، وكيل أول برتبة عميد، ومشرفا عاما ومسئولا للتعبئة والتجنيد العسكري والأيدلوجي.
كما عيّنت عبدالباسط علي أحمد حسن الهادي، محافظا لمحافظة صنعاء منذ أغسطس 2019، وهو من صعدة وأحد القيادات المتطرفة للحوثية. وأحمد أحمد الصمّاد وكيل المحافظة للشئون الأمنية، وفائز علي ناصر الحنمي مسئولا لأنشطة التعبئة والتجنيد.
يوسف المداني.. حاكم المناطق الغربية والساحلية
في المحافظات الغربية ومناطق تهامة والمناطق الساحلية على البحر الأحمر، عيّنت الجماعة الحوثية
يوسف حسن إسماعيل المداني
(المؤيد) قائدا للمنطقة العسكرية الغربية، منذ أبريل 2017، ومنحته رتبة لواء.
المداني، المكنى جهاديا (أبو حسين) هو من أسرة هاشمية ومولود عام 77م في عزلة أبو دوّار بمديرية مستبأ محافظة حجة وتعود أصوله إلى منطقة المدان في الأهنوم، هو أحد القيادات المؤسسة للحوثية وتربطه علاقة مصاهرة بعائلة زعيم الجماعة وهو متزوج ابنة مؤسسها حسين بدرالدين.
فوّضته الجماعة مسئولا عسكريا
للمناطق الساحلية الغربية
التي يمتد نطاق مسئولياتها في أربع محافظات: الحديدة، حجة، ريمة، المحويت. ليصبح الحاكم الفعلي لتلك الجغرافيا الحيوية. وتقع تحت مسئوليته القوات البحرية والساحلية الحوثية وعدة محاور وقطاعات عسكرية أوكلت قيادتها غالبا لهاشميين من صعدة وجوارها.
وله نفوذ واسع، وعيّنته الجماعة مؤخرا رئيسا لهيئة أركان قواتها إضافة إلى عمله قائدا للمنطقة الخامسة، خلفا
لمحمد عبدالكريم الغماري
الذي أفصحت الجماعة مؤخرا عن مصرعه في هجمات إسرائيلية.
يوسف المداني يترأس اجتماعا عسكريا بحضور محافظين ومسئولين أمنيين
في محافظة الحديدة، عين عبدالله عبده أحمد عطيفي (أبو طاهر) برتبة لواء، محافظا للمحافظة (شكليا) منذ نوفمبر الماضي. وعيّنت الجماعة أحمد مهدي أحسن البشري، المنحدر من بني معاذ مديرية سحار محافظة صعدة، في منصب وكيل أول برتبة لواء منذ 2020 وبقرار غير معلن، وهو المشرف العام والمحافظ الفعلي ومسئول التعبئة العامة.
كما عينت مطهر يحيى حسين الهادي، وغالب محمد محمد حمزة، وكليهما من صعدة، وكلاء للمحافظة. وعين نجل شقيق زعيم الحوثية محمد حميد بدرالدين المكنى (أبو عماد) مسئولا عسكريا للمديريات الجنوبية، وعبدالله العزي المكنى (أبو القاسم) برتبة لواء قائدا لمحور مدينة الحديدة، وكليهما من صعدة. وفاضل عبدالله الضيّاني (أبو الزهراء)، من عمران قائدا للمحور الشمالي برتبة لواء.
وفي حجة، عين عبده علي حسن الصوفي محافظا منذ ديسمبر ٢٠١٧، برتبة لواء، وأحمد أحمد الشرفي، وكيل أول، وطه عبدالله محمد الحمزي وكيلا لشئون الدفاع والأمن، وحمود المغربي مسئولا لأنشطة التعبئة. كما عيّنت الجماعة عقيل أحمد محمد الشامي قائدا لمحور حرض ميدي وقائدا لمجموعة "ألوية النصر".
في ريمة، عين فارس مجاهد أحمد الحبّاري المنحدر من أرحب صنعاء محافظا منذ يونيو 2018، برتبة لواء. وزيد يحيى أحمد الوزير، وكيلا لشئون الدفاع والأمن، منذ مايو 2020، برتبة عميد، وقبلها مسئول فرع جهاز الأمن والمخابرات ومشرفا لريمة. ومحمد النهاري مسئولا للتعبئة.
وفي المحويت، عين الشيخ حنين محمد عبدالله قطينة، محافظا برتبة لواء منذ أبريل 2021. ومجدي عبده اسماعيل الحسني، وكيل أول، وعبدالله عباس الحمزي، وكيل، وعزيز عبدالله علي الهطفي، من صعدة مشرفا للمحافظة. وإسماعيل عبدالملك يحيى شرف الدين مسئولا للتعبئة.
عبداللطيف المهدي حاكم 5 محافظات
عيّنت الجماعة الحوثية عبداللطيف حمود المهدي النوعه، المكنى جهاديا (أبو نصر الشعف) قائدا للمنطقة العسكرية الرابعة التي تقع تحت مسئوليتها 5 محافظات: ذمار، تعز، إب، الضالع، لحج.
المهدي ينحدر من منطقة النوعة بمديرية ساقين صعدة، من طبقة الهاشميين ومقرب من عائلة الحوثي، وعين مسئولا عسكريا لمحافظات الوسط والجنوب منذ أبريل 2017، ثم أسندت إليه بجانبها قيادة المنطقة السابعة حتى منتصف العام الماضي، ليبقى قائدا للرابعة التي مقر قيادتها بمدينة ذمار.
له نفوذ واسع وتقع تحت سلطته تلك المحافظات الحيوية، بمناطقها ومواردها.
ويعاونه أحمد عبدالله حطبه مسئول التعبئة بالمنطقة، وحمود محمد شثان شميلة مسئولا عن شئون القبايل، وكليهما من صعدة. ويتولى محمد الخالد المكنى (أبو العز الكحلاني) من حجة ملف مشاريع الطرق والخدمات.
المهدي خلال ترؤسه اجتماعا عسكريا بحضور محافظين ومسئولين محليين
في محافظة ذمار، عين محمد ناصر البخيتي محافظا منذ أواخر يوليو 2020، وفهد عبدالحميد محمد المروني وكيل أول منذ ابريل 2019، وقبله عين فاضل محسن محمد الشرقي (أبو عقيل) وكيل أول ومشرف أمني. وأحمد حسين الضوراني، مسئولا لأنشطة التعبئة والتجنيد.
وفي تعز، أسندت إدارة المحافظة إلى أحمد أمين المساوى، من تعز، كقائم بالأعمال، ومحمد الخليدي وكيل أول ومسئولا للتعبئة. ويشرف على الملف الأمني والعسكري نور الدين أحمد علي المراني، من صعدة معين وكيلا لشئون الدفاع والأمن برتبة عميد، وإسماعيل محمد شرف الدين وكيلا ومشرفا ثقافيا.
في إب، عين القيادي المؤتمري عبدالواحد محمد صلاح، وهو ضابط قديم وبرتبة لواء، محافظا للمحافظة منذ مايو 2015، وعبدالحميد علي الشاهري وكيل أول، وصادق حمزة وكيل، وثلاثتهم من أبناء إب. وعين عبدالفتاح غلاّب وكيلا للمحافظة ومسئولا لعمليات التعبئة والتحشيد.
وفي لحج، تسيطر الحوثية على بعض المناطق بينها مديرية القبيطة، وعينت أحمد حمود محمد جريب، محافظا للمحافظة منذ يونيو 2015. فيما يتولى مسئولية التعبئة العامة جميل الصوفي.
وفي الضالع، عينت الجماعة عبداللطيف عبده أحمد دبوان الشغدري، قائما بأعمال المحافظ منذ ديسمبر 2021، برتبة لواء. وعينت شخصيات محلية كوكلاء للمحافظة هم: حسين محسن المدحجي، صادق علي أحمد فارع الإدريسي، ضيف الله محمد عبدالرحمن الضبياني، عزيز محمد الحيدري، محمد محمود محمد سفيان.
كما استقدمت
قيادات من صعدة ومحافظات أخرى إلى الضالع
، وعيّنت صلاح أحمد صلاح حطبه، واسمه الجهادي (أبو أحمد) وكيل أول للمحافظة، وبرتبة لواء. وهو من منطقة ساقين محافظة صعدة، ومن أسرة هاشمية تربطها علاقة مصاهرة بزعيم الحوثيين، وأحمد ثابت المراني، من صعدة، المشرف الأمني العام ومسئولا للجنة العليا للتعبئة العامة، برتبة عميد.
جميل زرعه.. حاكم صعدة وجوارها
في المحافظات الشمالية، عيّنت الجماعة الحوثية جميل يحيى محمد زرعه، المنحدر من "محضه، بني معاذ" مديرية سحار صعدة واسمه الجهادي "أبو بدر- بدر زرعه"، قائدا للمنطقة العسكرية السادسة منذ أواخر أكتوبر 2018، برتبة لواء.
هذه المنطقة يقع مقر قيادتها في مدينة عمران، وتمتد مسئوليتها في ثلاث محافظات حيوية: صعدة وعمران والجوف.
اجتماع عقده جميل زرعه بالمحافظين والقيادات الأمنية والمحلية
في محافظة صعدة، منطقة تمركز الحوثية، عين محمد جابر عوض الرازحي، محافظا للمحافظة منذ ديسمبر 2014، وحسن صلاح عبدالله المرّاني وكيل أول برتبة لواء منذ أبريل 2020. ويتولى مسئولية التعبئة والتجنيد عبدالله المنبهي.
وفي عمران، يتولى فيصل جعمان قيادة المحافظة شكليا، ويديرها فعليا عبدالعزيز عبدالله محمد أبو خرفشه، المكنى (أبو مختار خرفشه) عين وكيل أول المحافظة ومشرف إجتماعي، وشقيقه نايف عين مديرا للأمن، وكليهما من ساقين صعدة وهما أصهار زعيم الحوثيين. ومحمد عبدالله العزي المكنى (أبو عمار العزي) مشرف أمني وعسكري، فيما يتولى سجاد حمزة مسئولية التعبئة بالمحافظة.
وفي الجوف، عين فيصل أحمد قائد حيدر، محافظا للمحافظة منذ أبريل 2021، وهو من الواسط حرف سفيان محافظة عمران. وعينت الجماعة سابقا مجاهد محمد مرشد المراني، من صعدة، وكيل أول لشئون الدفاع والأمن.
ناصر صبحان.. حاكم البيضاء
في المنطقة السابعة، عين ناصر أحمد صبحان المحمدي، قائدا للمنطقة منذ منتصف العام الماضي، وهو من آل صبحان باقم صعدة، واسمه الجهادي (أبو مرتضى المنبهي).
كان سابقا قائد مجموعة ألوية حرس الحدود في صعدة وحجة والجوف على الحدود مع السعودية.
المنطقة مقرها في مدينة البيضاء، ونطاق مسئولياتها محافظة البيضاء وتمتد إلى مديريات جنوبي مأرب. وكانت سابقا تحت قيادة عبداللطيف المهدي.
وقد عيّنت الجماعة عبدالله علي حسين إدريس، محافظا لمحافظة البيضاء منذ يونيو 2022. فيما يتولى مسئولية التعبئة أحمد محمد صالح الريامي، برتبة عميد.
اجتماع صبحان بالقيادات في البيضاء
بهذه الهيكلية الصارمة، أرست جماعة الحوثي نظام حكم يقوم على الولاء العائلي والسلطوي، في نموذج أشبه بما قبل الدولة، تتداخل فيه السلطة بالقرابة، ويتحول الولاء العائلي إلى معيار وحيد للنفوذ والامتياز، وباتت كل محافظة أو منطقة تُدار كـ"إقطاعية" مغلقة خاضعة لـ"حاكم بأمر السيد"، في نظام يدمج السلطة العسكرية بالإدارية والدينية في يد فئة محددة تنتمي في معظمها إلى هواشم صعدة وأصهار العائلة.
وبينما تروّج الجماعة لخطاب "الولاية" بوصفه حقاً دينياً، تكشف الوقائع الميدانية عن بنية حكم سلالية مغلقة، تُحكم السيطرة على الجغرافيا اليمنية باسم الثورة والدين، لكنها في الجوهر تعيد إنتاج نموذج حكم إمامي بوجه جديد وسلطة مطلقة بأمر "السيد".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news