بعد فترة من الهدوء النسبي والآمال المعلقة على مسار المفاوضات في اليمن برعاية إقليمية ودولية، عادت أجراس الإنذار لتقرع مجددًا، اذ صعدت جماعة الحوثي لهجتها تجاه المملكة العربية السعودية، الأمر الذي ينذر بانفجار الوضع باي لحظة.
ومع انحسار وتيرة الحرب في غزة ودخولها مرحلة وقف إطلاق نار، يبدو أن جماعة الحوثي تعيد توجيه بوصلة تصعيدها نحو الرياض، ملوحةً باستئناف هجماتها الصاروخية والطائرات المسيرة.
فبعد نحو عامين من هجمات الحوثيين الممنهجة على الملاحة الدولية وإظهار قدراتهم العسكرية المتنامية، أصبح خيار الحرب أداة حاسمة في أيديهم، يفرضون بها تحديات جديدة على القوى الإقليمية والدولية.
يأتي التلويح الحوثي الأخير بذريعة "التضييق على معيشة الشعب اليمني" والمماطلة في تنفيذ التزامات الرياض، وفقًا لاتهامات قادة الجماعة.
فإلى ما قبل عامين، عقب المفاوضات المباشرة بين السعودية وجماعة الحوثي كانت الأخيرة تواجه أوسع حركة احتجاج منذ انقلابها على الحكومة الشرعية آواخر عام 2014، عندما قاد نادي المعلمين والنقابات الموازية مظاهرات، مطالبة بصرف الرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية.
غير أن اندلاع الحرب في غزة شكل طوق نجاة للجماعة التي قمعت المحتجين بتهمة "التعاون مع إسرائيل" و"الانشغال عن نصرة الفلسطينيين"، مستثمرة التعاطف الشعبي مع مأساة غزة لتثبيت قبضتها الأمنية وتبرير فشلها الاقتصادي والإداري.
هذا التحول يطرح تساؤلاً جوهريًا: هل أصبح خيار الحرب امتيازًا حصريًا للحوثيين في مواجهة الإقليم، أم أن الظروف المعقدة في اليمن والمنطقة هي التي منحتهم هذه المساحة من النفوذ؟
هل ستكون نهاية للهدنة غير الرسمية بين السعودية والحوثيين؟
كما أن هذا التطور يُثير تساؤلات جدية حول هشاشة السلام في المنطقة، وما إذا كانت التهديدات الجديدة مجرد ضغط تفاوضي أم إيذان بعودة شاملة للمواجهة العسكرية ونهاية للهدنة غير الرسمية بين الحوثيين والسعودية؟
وفي سياق المخاوف الحوثية، هددت الجماعة السعودية بمعاودة استهداف المنشآت الحيوية بما فيها شركة "أرامكو" عملاق النفط السعودي، في ظل جمود عملية السلام في اليمن الغارق بالحرب منذ أكثر من 10 سنوات.
وقال القيادي الحوثي محمد مفتاح القائم بأعمال رئيس الحكومة (غير المعترف بها)، في تصريحات يوم أمس الأول نقلتها وسائل إعلام تابعة للجماعة "لمن يتخذ الإجراءات للتضييق على شعبنا في معيشته، نقول له معادلة البنك بالبنك والمطار بالمطار والميناء بالميناء لم تسقط".
وحذر مفتاح السعودية بالقول "هذه اللعبة لن تستمر"، مبدياً الاستعداد للمواجهة وإسقاط ما اعتبرها المؤامرات السعودية على جماعته. وأضاف "هناك تحركات أمريكية إسرائيلية تهدف إلى دفع التحالف السعودي الإماراتي للتصعيد ضد الجماعة ردًا على دعمها لغزة" حد زعمه.
الحرب أقصر طرق الحوثي للوصول إلى أهدافه
وفي السياق ذاته يقول المحلل السياسي ياسين التميمي، إن "الحوثي يرى أقصر الطرق للوصول إلى أهدافهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية المؤجلة بفعل التطورات السابقة".
وأضاف "ليس مستغربا أن يلوح الحوثيون بخيار الحرب، وليس مستغرباً أكثر أن تتوجه تهديداتهم صوب السعودية، متجاهلين تماماً الأثر العسكري والسياسي للسلطة الشرعية؛ التي بفضلها تستمد الرياضُ شرعيةَ تدخلها على الساحة اليمنية".
وتابع التميمي في
منشور
بصفحته على فيسبوك "يرى الحوثي الحرب أقصر الطرق للوصول إلى أهدافهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية المؤجلة بفعل التطورات السابقة، ومعهم كل الحق، لأنهم شعروا بثقل هذا الخيار وانعدامه تقريباً لدى خصومهم الداخليين والخارجيين".
وأردف "يعود السيناريو نفسه تقريباً، الإيرانيون يوعزون ويحرضون والحوثة يهددون والوسطاء يتدخلون، لا شيء يمكن ملاحظته في اليمن، لا الانقلاب ولا الحرب ولا تداعياتها الخطيرة وعلى رأسها تشظي الدولة، فقط هي التهديدات التي قد تطال الاستقرار السعودي والإقليمي، وهذا أسوأ نهج كان ولا يزال يكرر الإهانة للشعب اليمني ويطيل معاناته من قبل الجميع تقريباً". حد قوله.
"تطورات هامة وخطيرة شهدها اليمن والمنطقة والعالم خلال السنتين الماضيتين، تحول بسببها الحوثيون -وفق التميمي- من أداة لتحقيق الأهداف الأمريكية في تطويع المنطقة، إلى جماعة تحاصرها العقوبات الأمريكية وتسلبها المزايا السياسية والاقتصادية والمادية أيضاً، فقد دمرت البنية التحتية التي كانت تدعم سلطة دولة الحوثة الموازية والمتفوقة على دولة الشرعية بنقاط عديدة وجوهرية".
يقول التميمي "لذلك سيكون مدهشاً أن يعود الحوثيون إلى مائدة الحوار مع السعودية بالندية السابقة التي كانت تعززها سياسية الرئيس الأمريكي جو بايدن غير الودية تجاه الرياض، وسيكون مدهشاً أيضاً أن تعود السعودية مفاوضاً مُذعناً للحوثي دون الشرعية وحكومتها ورجالها ومقاتليها، ودون إمكانية استخدام الورقة الأكثر أهمية وهي دعم معركة حاسمة لهزيمة الحوثة".
واستطرد المحلل السياسي بالقول إن "المدهش أكثر من أي شيء آخر أن يعود سيناريو الحوار مجدداً، هذه المرة برغبة سعودية محضة، وهذه فرضية وإن كانت غير واقعية بالنسبة لي فإنها ليست مستبعدة، حتى وإن استدعت إطلاق تهديدات من جانب الحوثي، تمس المكانة القوية للسعودية في المنطقة، خصوصاً أن ذلك قد يفيد في إرخاء القبضة الأمريكية الشديدة على الحوثي ويمنح السعودية حرية أكبر في التصرف بالملف اليمني، لكن دون ضمانة لتحريرها من الإملاءات الإيرانية التي تُمرَّرُ عبر نزقِ وجنونِ الحوثي".
وأكد التميمي أن السعودية قد تستمر كالمعتاد في تبني سياسة التهشيم الذاتي للدولة اليمنية وتهميش دور سلطتها الشرعية والإبقاء على صيغة الحكم المعطوبة ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي وتجويع الجيش الوطني وإضعافه، لكن من غير الممكن لها أن تبني سلاماً مع فريق يناصبها العداء السياسي والعقائدي والوجودي".
هروب حوثي من الاستحقاقات
الباحث السياسي مصطفى الجبزي يقول إن "لغة تحرش الحوثيين بالسعودية تعني أن ورقة مناصرة غزة قد استُنفِدت، ولا بد من مشروع حرب جديد يمنح الجماعة الحوثية إكسير الحياة".
وأضاف الجبزي في
منشور
بصفحته على فيسبوك "دون حروب وتعبئة دائمة للمجتمع ستموت الحوثية فكرةً وهيكلاً، لذا ستبحث عن حروب حتى في أمريكا اللاتينية". وفق تعبيره.
وتابع "ستلتفت مرةً نحو الداخل ومرةً نحو الخارج بحثًا عن مشكلة، وبالحرب تستطيع الجماعة استكمال مشروعها في إعادة برمجة اليمنيين".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news