كيف نجح الإصلاح بتعز في تأسيس شبكة أمنية موازية لتحقيق مصالح حزبية بعيدًا عن أي رقابة قانونية؟
ما الاستراتيجية متعددة المراحل التي استخدمها حزب الإصلاح لإقصاء خصومه العسكريين والسياسيين ؟
كيف نجح الإصلاح في تحويل الحرب إلى مصدر للمال ووسيلة للإثراء ؟
فرض الإصلاح قبضته على تعز عبر خلايا الرصد، المداهمات، الاختطافات، والاغتيالات، بإشراف قياداته مباشرة
مدير مكتب حقوق الإنسان يكشف وجود 16 سجناً سرياً بتعز، وعدد المخفيين قسرياً نحو 2,700 شخص
تعز، المدينة التي لطالما مثلت رمزًا للثقافة والمدنية في اليمن، تحولت منذ العام 2015 إلى مسرح لانتهاكات واغتيالات متواصلة، أضحى فيها حزب الإصلاح – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين – يسيطر على مؤسسات الأمن ويشرف على جهاز سري مستقل، يمارس القمع، الاختطاف، الاغتيالات، والاستحواذ على موارد المدينة.
هذا التحقيق الاستقصائي يرصد كيف نجح الحزب في تأسيس شبكة أمنية موازية تتحكم بمفاصل الحياة العامة في تعز، مستغلاً الحرب لتحقيق مصالح حزبية، بعيدًا عن أي رقابة قانونية أو شرعية .
بناء الجهاز الأمني الموازٍ
على غرار الجهاز الأمني السري لحركة النهضة في تونس، عمل الإصلاح في تعز على السيطرة على المؤسسة الأمنية بالكامل، وبناء جهاز أمني سري يتلقى أوامره مباشرة من مقر الحزب.
في إطار ما يسمى بـ"عملية دمج المقاومة بالجيش"، تم الاستيلاء على المؤسسة الأمنية، وإعادة بنائها لتصبح خاضعة بالكامل لطيف سياسي واحد: حزب الإصلاح. وتم ترقيم أكثر من 10 آلاف عنصر معظمهم محسوبون على الحزب، وغالبيتهم بأسماء وهمية، وسط مدينة تعاني من انفلات أمني واسع.
منذ وفاة العميد المغبشي، مدير أمن تعز، تم تعيين نائبه المحسوب على الإصلاح، العقيد محمد المحمودي، كقائم بالأعمال، ومن ثم صدر قرار جمهوري بتعيينه مديرًا لأمن المحافظة وترقيته إلى رتبة لواء، قبل أن يُعين العميد منصور الأكحلي في المنصب مطلع العام 2018. خلال هذه الفترة، تم تعيين عدد من المدنيين لإدارة أقسام الشرطة من غير أصحاب المؤهلات العلمية والعسكرية، بناءً على الولاءات والمحسوبيات.
كما أشار مصدر أمني خاص إلى أن الحزب نهب خمسة أطقم عسكرية قدمها التحالف العربي لإدارة الأمن، وسلمها لقائد جماعة الإخوان المسلمين عبده فرحان "سالم".
السيطرة على أجهزة الأمن كافة
لم يقتصر النفوذ على إدارة أمن المحافظة، بل امتد إلى الأجهزة الأمنية كافة:
* الأمن السياسي بقيادة العميد عبدالواحد سرحان، شقيق العميد صادق سرحان قائد اللواء 22 ميكا.
* جهاز البحث الجنائي بقيادة العقيد صادق الحسامي.
* شرطة السير وجهاز النجدة بقيادة مدنيين موالين، مثل محمد مهيوب، الذي حصل على رتبة عقيد.
* الشرطة العسكرية التي تم إنشاء كتيبة جديدة لها تضم 700 عنصر من شباب الإصلاح، تم تعيين العقيد مدين المسعودي كقائد لها، ومن ثم العقيد جمال الشميري.
هذا الجهاز الأمني عمل على فرض قبضته على المدينة عبر خلايا متعددة المهام، شملت الرصد، المداهمات، الاختطافات، والاغتيالات، وكلها تتم تحت إشراف قيادات حزب الإصلاح مباشرة.
السجون السرية والاختفاء القسري
حول حزب الإصلاح المدارس والمباني الحكومية إلى سجون سرية، أبرزها: مدرسة النهضة، مدرسة الصديق، مدرسة نعمة رسام، مكتب التربية، المعهد الوطني للعلوم الإدارية والمعهد المهني.
اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان أكدت وجود 16 سجناً سرياً، فيما بلغ عدد المخفيين قسرياً نحو 2,700 شخص، وفقًا لتصريح مدير مكتب حقوق الإنسان في تعز، علي سرحان.
من بين المختطفين:
- أكرم حميد وأيوب الصالحي (ناشطون سياسيون)
- أحمد القباع ونعمان الحبشي (اختُطف قبل العثور على جثته لاحقاً)
- الصحفي جميل الصامت، الذي اختُطف بسبب كتاباته على "فيسبوك".
كما طالت جرائم التصفية الجسدية السجناء، مثل مقتل ميثاق العاقل في سجن الشرطة العسكرية نهاية يناير 2019، بعد طلب السلطات العليا إرساله إلى عدن للتحقيق معه، بالإضافة إلى العشرات من الناشطين تم اغتيالهم مؤخرا في تعز وكان آخرها اغتيال افتهان المشهري في جريمة تؤكد تورط خلايا الاغتيالات الإرهابية بقيادات جماعة الاخوان العليا داخل الجيش بتعز
فرق الاغتيالات الخفية
أثبتت التحقيقات وجود خلايا إرهابية متخصصة بالاغتيالات ومرتبطة بالقيادات العسكرية العليا في تعز، والتي كانت تصدر أوامر بتصفية الأشخاص داخل السجون قبل نقلهم للتحقيق، لتفادي كشف تورطها في عمليات اغتيال نفذت عبر الجهاز الأمني السري.
كما أشار تقرير لجنة الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة إلى مجموعات مسلحة صغيرة تمارس الابتزاز والاغتيالات، أبرزها:
- كتائب حسم، لواء الصعاليك، لواء الطلاب.
- كتائب الكوثر، كتيبة الذئاب المتوحشة، مجموعة الملثمين، أسود السنة
- لواء عصبة الحق، كتيبة أبي الوليد.
وقد تم تحديد أسماء قياداتها ومناطق عملها داخل المدينة، معظمها محسوب على حزب الإصلاح.
الاستراتيجية السياسية لاخوان تعز لإقصاء الخصوم
استخدم حزب الإصلاح استراتيجية متعددة المراحل لإقصاء خصومه العسكريين والسياسيين، عبر:
1. الهجوم الإعلامي والتحريضي على كتائب أبي العباس، المتهمة بالعمل خارج القانون.
2. دعم عصابات مسلحة بقيادة غزوان المخلافي، لإشعال مناوشات مع كتائب أبي العباس.
3. استغلال نفوذ الألوية الموالية لتقييد تحركات الخصوم، حتى اضطر أبو العباس للانسحاب إلى جبهة الكدحة.
4. الحملات السياسية ضد محافظ تعز السابق الدكتور أمين محمود، بما في ذلك مظاهرات تحت يافطات مختلفة واستغلال قضايا حقوقية ومطلبية لإضعاف موقفه حتى تمت الإطاحة به .
استغلال الحرب كوسيلة للإثراء
نجح الإصلاح في تحويل الحرب إلى مصدر للمال من خلال:
* ملف الإغاثة الإنسانية عبر ائتلاف الإغاثة الإنسانية الذي يضم 404 جمعية ومؤسسة، واستحوذ على أكثر من 746,610 سلة غذائية، بحسب بيانات رئيس اللجنة العليا للإغاثة عبدالرقيب فتح.
* مشاريع علاج الجرحى، حيث استفادت المستشفيات الخاصة التابعة للحزب، مثل مستشفى الروضة ومستشفى الصفوة، من دعم مشروع الملك سلمان لعلاج الجرحى.
* المدارس والجامعات الخاصة: أكثر من 50 مدرسة خاصة وفتح جامعتين أهليتين (“العطاء” و”الجند”)، وتحويل مدارس حكومية إلى ثكنات عسكرية.
* خصخصة المكتبة الوطنية لصالح جامعة العطاء في نوفمبر 2019.
من خلال هذه الإجراءات، حول حزب الإصلاح موارد المدينة إلى شبكة مالية حزبية ضخمة، تحت سيطرته المطلقة.
التحقيق الاستقصائي يؤكد أن تعز لم تعد مدينة محايدة أو تحت سلطة الدولة القانونية، بل أصبحت مركزاً لتسيير الجهاز الأمني السري لحزب الإصلاح، الذي دمج بين القمع العسكري، الاختطاف، الاغتيالات، الاستغلال المالي، والسيطرة السياسية.
اليوم، المدينة تحت قبضتهم، وسكانها يعيشون بين خوف مستمر من الأجهزة الأمنية، والاغتيالات وانتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان، فيما تستمر جماعة الإخوان في توسيع نفوذها واستغلال الحرب لمصالح حزبية، بعيدًا عن أي رقابة شرعية وقانونية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news