حذّرت المنظمة الدولية للهجرة، الثلاثاء 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025م، من تدهور إنساني خطير في مدينة الفاشر غربي السودان، مع فرار آلاف المدنيين خلال اليومين الماضيين جراء تصاعد أعمال العنف والانتهاكات المروّعة التي تُتَّهم بها قوات الدعم السريع.
وقالت المنظمة في بيان لها اطّلع عليه "بران برس"، إن أكثر من 26 ألف شخص اضطروا لمغادرة منازلهم في غضون 48 ساعة فقط، بحسب بيانات مصفوفة تتبع النزوح التابعة لها، وسط تقارير عن انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان.
وأوضحت المنظمة أن فرقها تعمل على إرسال مواد إيواء طارئة، تشمل خيامًا وحقائب إغاثية، إلى قرية طويلة التي باتت مركزًا رئيسيًا لاستقبال النازحين من الفاشر، على أن تصل المساعدات خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأضافت أن المشاهد القادمة من الفاشر مؤلمة، حيث تُجبر آلاف الأسر على الفرار سيرًا على الأقدام تحت شمسٍ حارقة، تحمل الأمهات أطفالهن الرضّع، فيما يُعين الصغار كبار السن على مواصلة السير وسط الخوف والجوع والإعياء.
وأكدت أن معظم الفارين يفتقرون إلى الطعام والمأوى والدواء، وأنهم يصلون إلى القرى المجاورة في حالة من الإنهاك الشديد، ما يفاقم الأزمة الإنسانية القائمة أصلًا، ويزيد الحاجة إلى الغذاء والرعاية الصحية والمياه النظيفة والحماية.
وأضافت المنظمة أن إمكانية الوصول إلى المتضررين ما تزال "محدودة للغاية"، بينما تتزايد الاحتياجات بسرعة تفوق قدرة المساعدات الإنسانية على تلبية الطلب المتصاعد.
ودعت المنظمة الدولية للهجرة في ختام بيانها المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لإنهاء معاناة المدنيين في الفاشر والسودان عمومًا، مؤكدة التزامها بمواصلة جهودها لحماية المتضررين وتقديم الدعم الإنساني اللازم لهم.
جرائم مروعة
بدوره، حذّر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من تفاقم الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر بشمال دارفور، عقب تقارير تفيد بارتكاب قوات الدعم السريع انتهاكات وجرائم مروعة بحق المدنيين، بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من المدينة المحاصرة.
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن المعلومات الأولية تشير إلى “وضع بالغ الخطورة” منذ إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني يوم أمس، مؤكّدًا أن المدنيين يواجهون تهديدات متزايدة في ظل تدهور الوضع الأمني.
وأعرب تورك في بيان له عن قلقه من تصاعد خطر وقوع انتهاكات وجرائم ذات دوافع قبلية في الفاشر، داعيًا إلى اتخاذ “إجراءات عاجلة وملموسة” لحماية المدنيين وتأمين ممرات آمنة للنازحين الراغبين في الفرار من مناطق القتال.
وأشار إلى أن هناك عمليات إعدام بإجراءات موجزة لمدنيين على يد مقاتلي قوات الدعم السريع عقب سيطرتها على مدينة بارا بولاية شمال كردفان، اتُّهم الضحايا بدعم القوات المسلحة السودانية. وتشير التقارير إلى مقتل عشرات المدنيين.
تصعيد مروّع
إلى ذلك، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التقارير التي تؤكد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر بأنها “تصعيد مروّع” للنزاع الدائر في السودان، مشدّدًا على ضرورة أن يتحدث المجتمع الدولي “بصوت واضح” مع الدول المتورطة في تغذية الحرب وتزويد الأطراف بالأسلحة.
وفي تصريح أدلى به خلال زيارته إلى ماليزيا للمشاركة في قمة الآسيان، أشار غوتيريش إلى أن “المشكلة لا تكمن فقط في القتال بين الجيش والدعم السريع، بل أيضًا في التدخلات الخارجية التي تعرقل جهود وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي دائم.”
ومع استمرار القصف ونزوح الآلاف، تُحذّر منظمات الإغاثة من انهيار كامل للوضع الإنساني في دارفور، حيث لا يجد النازحون سوى القرى الفقيرة ملاذًا مؤقتًا، وسط نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
ويقول العاملون الميدانيون إن "الناجين يصلون إلى نقاط الاستقبال جائعين، مصابين، ومصدومين"، فيما تواصل وكالات الأمم المتحدة الدعوة إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات.
سقوط الفاشر
وبعد أكثر من 500 يوم من حصار دامٍ، سقطت الفاشر، الأحد الماضي، بيد قوات الدعم السريع، وكانت آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، عقب معارك طاحنة وحصار استمر لأشهر، انتهى بانسحاب القوات المسلحة السودانية من مواقعها الرئيسية، وفي مقدمتها مقر الفرقة السادسة مشاة.
وتكتسب الفاشر أهمية استراتيجية بالغة، فهي آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، ومركز إداري وعسكري رئيسي يربط بين ولايات الإقليم الغربية والشمالية، حيث شكّل سقوطها تحولًا نوعيًا في مسار الصراع المستمر منذ أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع.
ومع اشتداد القتال في محيط المدينة، أعلنت قوات الدعم السريع في 27 أكتوبر سيطرتها على مقر قيادة الجيش، بينما أكد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، لاحقًا انسحاب القوات المسلحة “حقنًا لدماء المدنيين”.
ورغم تبرير الجيش انسحابه بدواعٍ إنسانية، إلا أن مراقبين وصفوه بأنه أكبر انتكاسة عسكرية يتعرض لها منذ اندلاع الحرب، معتبرين أن السيطرة على الفاشر تمنح الدعم السريع موقعًا استراتيجيًا يمكّنه من توسيع نفوذه نحو شمال وشرق السودان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news