 
أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” محمد عبدالقادر اليوسفي:
في قلب مدينة تعز المثقلة بآثار الحرب، حيث خلفت سنوات الصراع آلاف الضحايا وفجوة كبيرة في دعم أسرهم، برزت الحاجة الماسة لمبادرات تتجاوز المساعدات الإنسانية المؤقتة، ومن رحم هذه المعاناة، انطلق “معهد احتراف للتدريب والتأهيل” كاستجابة مجتمعية تهدف إلى معالجة الجذور الاقتصادية والنفسية لمعاناة ضحايا الحرب.
على مدى أربع سنوات، نجح المعهد في تقديم نموذج فريد للتمكين، مركزًا جهوده حصريًا على أسر القتلى والجرحى والأسرى، ومن خلال برامج مهنية وحرفية متكاملة، يعمل المعهد على تحويل هذه الشريحة من متلقين للدعم إلى طاقات منتجة ومستقلة، ليثبت أن الاستثمار في المهارات هو الطريق الأنجح لتحويل الألم إلى أمل مستدام.
انطلاقة من رحم المعاناة
تأسس المعهد قبل أربع سنوات بمبادرة من الشيخ حمود سعيد المخلافي، رئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، كالتزام أخلاقي ووطني تجاه شريحة قدمت تضحيات كبيرة خلال الحرب.
وتضيف، حياة الذبحاني، رئيس مجلس الإدارة بالمعهد، في حديثها لـ “يمن ديلي نيوز”، أن “الفكرة نبعت من الحاجة الماسة لدعم هذه الأسر وتمكينها اقتصاديًا ونفسيًا”.
جاء تأسيس المعهد، بحسب القائمين عليه، كاستجابة مباشرة للفجوة الكبيرة في دعم أسر الضحايا، فمدينة تعز التي فقدت الآلاف وأصيب فيها عشرات الآلاف، واجهت تحديات هائلة في رعاية الجرحى وأسر القتلى، مما جعل وجود مؤسسة مهنية مجتمعية تركز على التمكين بدلاً من الرعاية المؤقتة، أمرًا ملحًا وضروريًا.
بحسب الذبحاني، اكتسب المعهد صفة رسمية بحصوله على ترخيص من وزارتي التعليم الفني والمهني والتعليم العالي، بدعم مباشر، من الوزير الدكتور خالد الوصابي.
هذا الاعتراف الرسمي منح شهادات المعهد مصداقية قوية وعزز من فرص خريجيه في الحصول على وظائف أو تأسيس مشاريعهم الخاصة بثقة.
ووفقًا لحديث إدارة المعهد لـ”يمن ديلي نيوز” فإن اختيار مدينة تعز كمركز رئيسي للمعهد، اتى نظرًا للثقل الكبير الذي دفعته المدينة في الصراع، وحجم التضحيات التي قدمتها: “إذ تعيش آلاف الأسر في المدينة وضواحيها بين ألم الفقد والأضرار الجسدية والنفسية، وهو ما جعل المعهد يركز جهوده في هذه البقعة الجغرافية الأكثر احتياجًا لبرامجه”.
منهجية تمكين متكاملة
يقدم المعهد حزمة متنوعة من البرامج التدريبية التي تزيد عن 22 تخصصًا مهنيًا وتقنيًا، تشمل هذه التخصصات مجالات مطلوبة في سوق العمل مثل الحاسوب، البرمجة، صيانة الجوال، الخياطة والتطريز، التجميل، صناعة المعجنات والحلويات، بالإضافة إلى الحرف اليدوية التقليدية كالنجارة والحدادة وكهرباء المنازل، وغيرها.
في هذا السياق، توضح “الذبحاني” أن آلية القبول “تركز حصرًا على أسر الشهداء والجرحى والأسرى، دون أي تمييز بين المدنيين أو العسكريين، حيث يسمح للمتدرب باختيار التخصص الذي يتناسب مع ميوله وقدراته، بهدف ضمان شغفه واستمراريته في المجال، وهو ما يرفع نسبة نجاحهم بعد التخرج”.
وتشير الذبحاني، إلى أن دور المعهد لا يقتصر على التدريب الفني، بل يوفر بيئة دعم متكاملة لضمان تفرغ المتدربين: “المعهد يوفر السكن الداخلي، والتغذية الكاملة للطلاب القادمين من المناطق الريفية والمديريات البعيدة، إضافة إلى برامج دعم نفسي واجتماعي متخصصة لمساعدتهم على تجاوز الآثار النفسية للحرب وبناء ثقتهم بأنفسهم”.
بعد إتمام الدورة التدريبية المكثفة، والتي تركز على التطبيقات العملية، يحصل كل خريج على منحة مالية قدرها 100 ألف ريال يمني، “المنحة هي خطوة أولى في مرحلة التمكين الاقتصادي”.
تضيف الذبحاني، “لكن الهدف الأسمى يبقى في الحرفة التي اكتسبها، فهي التي ستدر عليه دخلًا مستدامًا وتضمن له استقلاليته”.
قصص نجاح تروي الأثر
منذ تأسيسه، نجح المعهد في تخريج أربع دفعات متتالية، بلغ إجمالي عدد أفرادها ما يزيد عن 5000 طالب وطالبة.
وتؤكد إدارة المعهد، أن معظم هؤلاء الخريجين انخرطوا بنجاح في سوق العمل، إما عبر الحصول على وظائف أو بإنشاء مشاريعهم الصغيرة الخاصة.
“هديل محمود” إحدى الخريجات، تصف تجربتها لـ”يمن ديلي نيوز” بامتنان: “التدريب كان ممتازًا، والهيئة التدريسية متعاونة جدًا، والأجهزة والمعدات كانت متوفرة بشكل كامل، لم ينقصنا شيء طوال فترة الدراسة”.
وتضيف هديل، مستشهدة بنماذج حية: “الكثير من النساء اللاتي تدربن معي يعملن اليوم ويدرن أسرهن، أعرف زوجة شهيد كانت طالبة معنا، وبسبب تميزها، عادت لتعمل كمدربة في المعهد نفسه، وهذا يثبت نجاح التجربة وقوتها”.
وتؤكد هديل أن التدريب لم يكن مجرد مهارة، بل كان طوق نجاة اقتصادي ونفسي. وقالت: “التدريب منحنا مهارة عملية ومصدر دخل ثابت بدلًا من انتظار المساعدات الموسمية”، مشيرة إلى أن هذا الأمر ساهم بشكل كبير في تحسين ثقتها بنفسها وقدرتها على مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالبلاد.
تحديات واستمرارية
رغم غياب الدعم الحكومي الرسمي من السلطات المحلية أو المنظمات الدولية، استمر المعهد في أداء رسالته الإنسانية.
وفي هذا الصدد، تؤكد حياة الذبحاني أن التمويل يعتمد بشكل كامل وحصري على مؤسسه، الشيخ حمود المخلافي، الذي يغطي كافة النفقات التشغيلية ومشاريع التمكين.
هذا الدعم، وفقًا لإدارة المعهد، لم يقتصر على تكاليف التدريب والمنح المالية فقط، بل شمل مبادرات نوعية مثل توفير وسائل نقل خاصة بالجرحى وذوي الإعاقة والمكفوفين لضمان وصولهم إلى المعهد بيسر، وهو ما يعكس شمولية الرؤية التي يتبناها المشروع.
وتشير الإدارة إلى أن المعهد واجه في بداياته بعض حملات التشكيك والتقليل من أهمية دوره، لكن نجاح خريجيه على أرض الواقع وتأسيسهم لمشاريعهم الخاصة كان الرد الأبلغ، مما عزز من مصداقية المعهد وحوله إلى قصة نجاح ملموسة.
تتمثل رؤية المعهد المستقبلية في توسيع نشاطاته ليشمل مشاريع تمكين اقتصادي أوسع، وربط الخريجين مباشرة باحتياجات سوق العمل.
المعهد رفع شعاراً عملياً له يلخص فلسفته: “علمني كيف أصطاد”، في تأكيد على أن الاستثمار في المهارات هو الطريق الاضمن لاستعادة الكرامة والتحول من الفقد إلى الإنتاج. وفق القائمين عليه.
مرتبط
الوسوم
محافظة تعز
معهد احتراف للتدريب والتأهيل
أسر الجرحى والشهداء
ضحايا الحرب
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
   تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية  عبر  Google news
  تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية  عبر  Google news