تشهد مديرية ذي السفال جنوبي محافظة إب الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب (وسط اليمن) توتراً متصاعداً وغضباً شعبياً واسعاً منذ أسابيع، عقب محاولات حوثية متجددة لإقامة مشروع كسارة للأحجار في منطقة وادي ضبأ، إحدى أهم المناطق الزراعية في المديرية.
وقال سكان محليون وناشطون إنهم فوجئوا خلال الأيام الماضية بمساعٍ حثيثة من نافذين حوثيين لنقل الكسارة التي فشل تشغيلها في منطقة نخلان بمديرية السياني إلى قرى وادي ضبأ، مؤكدين أن المشروع يشكل خطراً جسيماً على الإنسان والزراعة والثروة الحيوانية في المنطقة المكتظة بالسكان.
وكشفت المصادر، تابعها "بران برس"، أن مشروع الكسارة يتبع رجل أعمال حوثي من محافظة عمران يُدعى هادي الرصاص، الذي عقد اتفاق شراكة مع الوكيل "أبو الحسن النوعة" مقابل تسهيل تمكينه من الاستثمار في جبل يطل على قرية الخرابة، كان قد حُوِّل سابقاً إلى موقع عسكري تابع للجماعة.
لن نسمح بتدمير أرضنا
وفي بيان عاجل صادر عن أهالي قرى الخرابة، والظرافة، وقريش، وحجفات، والحوري، والجشاعة بعزلة وادي ضبأ، اطّلع عليه "بران برس"، حذروا من خطورة مشروع الكسارة المزمع إنشاؤه، مؤكدين أنه يشكّل تهديداً مباشراً على البيئة وصحة آلاف السكان ومصدر رزقهم الزراعي والحيواني.
وأشار الأهالي إلى أنهم خاطبوا كافة الجهات المعنية في المحافظة والمديرية، بينها رئيس المجلس المحلي المعيَّن من قبل الجماعة، ومكتب الصحة، وصحة البيئة، وهيئة المساحة الجيولوجية، لتحمل مسؤولياتهم في حماية البيئة والمجتمع من الأضرار المتوقعة.
وأوضح البيان أن وادي ضبأ يُعد "من أخصب وأهم الوديان الزراعية في ذي السفال"، وأن إقامة الكسارة فيه "ستؤدي إلى تلويث الهواء والمياه، وتدمير المحاصيل، وإصابة السكان بأمراض تنفسية وتشقق منازلهم، فضلًا عن نفوق الماشية وتراجع الإنتاج الزراعي".
وقال الأهالي في بيانهم إن إقامة المشروع ستتسبب في تلوث الهواء والمياه وانتشار الأمراض التنفسية بين الأطفال والنساء وكبار السن، فضلًا عن إتلاف المزارع ونفوق الثروة الحيوانية في القرى المحيطة بالوادي.
وأشاروا إلى أن المشروع سيقضي على الطابع الزراعي الذي تتميّز به المنطقة، ويحوّلها إلى بيئة ملوّثة غير صالحة للعيش، في وقت يعتمد فيه الأهالي بشكل رئيسي على الزراعة وتربية المواشي كمصدر دخل أساسي.
وأكد السكان تمسّكهم بموقفهم الرافض لإقامة أي مشاريع "تدمّر بيئتهم وصحتهم وسلامة مصالحهم"، داعين السلطات إلى منع الاستثمارات السلبية التي تضرّ بالمجتمع وبيئته الزراعية المكتظة بالسكان.
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، شهدت مديرية ذي السفال موجة احتجاجات نسائية وشعبية واسعة، تنديداً بمحاولة سلطات الحوثيين إقامة الكسارة. وقالت مصادر محلية إن عشرات النساء تقدمن صفوف المحتجين في قرية الخرابة.
ورددت النساء المشاركات في الاحتجاجات هتافات تطالب بوقف المشروع فوراً، محذّرات من أن إقامة الكسارة ستؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية وتلويث مصادر المياه والهواء، الأمر الذي يهدد حياة آلاف السكان في المنطقة.
تصدي حوثي لإرادة السكان
ومع تزايد الرفض الشعبي واحتدام الضغوط الأمنية، تبدو ذي السفال اليوم ساحة مواجهة بين إرادة السكان الساعين لحماية بيئتهم، وسلطة الأمر الواقع التي تحاول فرض مشاريعها بالقوة تحت غطاء الاستثمار.
حيث أفادت مصادر محلية أن أطقمًا عسكرية حوثية استخدمت القوة المفرطة، وأطلقت الأعيرة النارية الحية لتفريق المحتجين في قرية الخرابة يوم الجمعة الماضية، بعد خروج الأهالي إلى الطريق العام لمنع دخول معدات الكسارة إلى المنطقة.
وأضافت المصادر أن وكيل محافظة إب الحوثي أبو الحسن النوعة ومدير مديرية ذي السفال أبو إسحاق يقودان ضغوطاً على الأهالي والعدول لإجبارهم على القبول بالمشروع، رغم التحذيرات من أضراره البيئية والصحية.
وذكرت أن عدداً من عدول القرى، بينهم عبدالرحمن سعيد، وعبدالحكيم علي عبدالله، وطلال علي رشيد، وصادق عبده محمد قايد (شيخ قرية الجشاعة)، تم اختطافهم بعد رفضهم الامتثال لأوامر القيادات الحوثية، فيما تعرّض آخرون للتهديد بالسجن إن استمروا في معارضة المشروع.
وأشارت إلى أن الرصاص مجرد واجهة لمستثمر حوثي أكبر يُدعى محمد الجمل، يسيطر على قطاع إنتاج الكسارات في صنعاء ويتحكم بأسعار مواد البناء ويفرض جبايات على الشاحنات العاملة في هذا القطاع.
تنديد حقوقي
من جهتها، أدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات ما وصفته بـ"الحملة القمعية الوحشية" التي نفذتها جماعة الحوثي ضد المدنيين في ذي السفال، مؤكدة تلقيها بلاغات من الأهالي تفيد باعتقال عدد من المواطنين واستخدام القوة لإجبارهم على القبول بالمشروع.
وقالت الشبكة في بيان لها، إنها تلقت بلاغاً من الأهالي يفيد بأن جماعة الحوثي اختطفت العديد من أبناء قريتي الخرابة والجُشاعة بعزلة وادي ضبأ بمديرية ذي السفال جنوب محافظة إب، لرفضهم إقامة مشروع "كسارة" لمستثمر حوثي قدم من محافظة عمران.
وطالبت الشبكة بسرعة الإفراج عن المختطفين، محمّلة الحوثيين المسؤولية الكاملة عن سلامتهم وعن أي أضرار بيئية وصحية قد تلحق بالمواطنين نتيجة المشروع.
فيما دعا ناشطون من أبناء إب عبر مواقع التواصل إلى تضامن واسع مع سكان ذي السفال، مؤكدين أن ما يجري يمثل "تغوّلاً خطيراً للسلطة الحوثية على حقوق المجتمعات المحلية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news