 
فوضى الموانئ تكشف وجه الحوثيين القبيح: ابتزاز ممنهج يدمّر الاقتصاد ويجوّع الشعب
تعاني موانئ الحديدة من فساد ممنهج تمارسه مليشيا الحوثي الإرهابية، لتدخل واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا منذ سنوات، وسط فوضى متزايدة تُعرقل عمليات تفريغ السفن وتُربك حركة التجارة. وتأتي هذه الأزمة نتيجة سياسات ابتزاز منسقة تنتهجها الجماعة ضد التجار والمستوردين، عبر فرض إتاوات غير قانونية وقيود تعسفية على الشحنات التجارية. ففي الوقت الذي تُحتجز فيه بعض البضائع لأشهر طويلة دون مبرر، تُمنح امتيازات خاصة لشركات تابعة لقيادات حوثية نافذة، ما أدى إلى اختلالات حادة في السوق وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية. وتعكس هذه الممارسات، التي تتستر خلف شعارات اقتصادية زائفة، أبعادًا سياسية وتمويلية خفية تهدف إلى تعزيز نفوذ الجماعة الاقتصادي، في مشهدٍ يكشف عمق الفساد داخل منظومتها وفشلها الذريع في إدارة أحد أهم المرافق الحيوية في اليمن.
موانئ الحديدة... شلل تجاري وابتزاز ممنهج
تؤكد مصادر ملاحية وتجارية أن ميناء الحديدة لا يفرغ اليوم سوى نسبة محدودة جدًا من الحمولات التجارية، لا تتجاوز 30% من احتياجات السوق في مناطق سيطرة الحوثيين. الأوضاع تفاقمت أكثر بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي ألحقت أضرارًا كبيرة بالأرصفة والمعدات، ما أجبر العديد من السفن على الانتظار في عرض البحر لأشهر، تتضاعف خلالها الغرامات المفروضة على التجار بشكل يومي.
وتشير المعلومات إلى أن عشرات الحاويات لا تزال محتجزة منذ أكثر من شهرين، وسط فرض غرامات تصل إلى 300 دولار يوميًا للحاوية الواحدة، في حين تواصل الجماعة تحصيل رسوم غير قانونية تحت ذرائع مختلفة. ونتيجة لهذه السياسات، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد، لتتحول الموانئ إلى مصدر معاناة للمواطنين بدلًا من أن تكون شريان حياةٍ اقتصادي.
صراع القمح: معركة النفوذ داخل الجماعة
تزامنًا مع أزمة الموانئ، انفجر داخل أروقة الحوثيين صراع اقتصادي خطير حول تجارة القمح، وهي السلعة التي يعتمد عليها ملايين اليمنيين يوميًا. فقد كشفت أزمة مطاحن البحر الأحمر هشاشة البنية الاقتصادية للجماعة، بعد أن أعلنت شركة "المحسن إخوان" – المملوكة للقيادي الحوثي علي الهادي – نفاد مخزون القمح وتوقف العمل، قبل أن تسارع وزارة الاقتصاد الحوثية إلى نفي ذلك في مشهدٍ يعبّر عن انقسام حاد داخل الأجنحة الاقتصادية للحوثيين.
ويقول مراقبون إن الأزمة ليست سوى تجلٍ لصراع على النفوذ والثروة داخل الجماعة، إذ تحوّلت تجارة القمح إلى مصدر تمويل رئيسي للحوثيين. فشركة "المحسن إخوان" سيطرت على معظم عقود توريد القمح لمنظمات الإغاثة الدولية، بقرارات مباشرة من قيادات الجماعة، ما منحها تحكمًا مطلقًا بسوق القمح والدقيق في مناطق سيطرة الحوثيين. ومع تراجع المساعدات الدولية، تصاعد التنافس بين أجنحة الحوثي للسيطرة على هذا المورد الحيوي، في ظل تجاهل تام لمخاطر ذلك على الأمن الغذائي للمواطنين.
ممارسات الجباية الجديدة: من “الرسوم” إلى “الفدية التجارية”
تقول مصادر تجارية إن ما يجري في الميناء هو ابتزاز منظم ومؤسّس، إذ تُستخدم إجراءات التفتيش والتفريغ كوسيلة ضغط للحصول على رشاوى ضخمة. فالتجار الذين يرفضون الدفع يتم تعطيل سفنهم لشهور، بينما تُسهّل الإجراءات أمام الشركات الموالية للجماعة.
ويؤكد أحد التجار أن “البضائع مكدسة في الميناء، ولا يُسمح بتفريغها إلا بعد دفع رسوم غير قانونية عبر وسطاء تابعين للمليشيا”. وأضاف أن الحوثيين يبتكرون مسميات جديدة للجبايات كل فترة، مثل "رسوم دعم الصمود" و"مساهمات إعادة الإعمار"، بينما في الواقع تُذهب الأموال إلى جيوب القيادات النافذة.
هذه الممارسات أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الشحن، وإلى انهيار ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في البيئة التجارية اليمنية. فبدلًا من أن تكون الموانئ منافذ اقتصادية، تحولت إلى بوابات فساد وجباية تدار بعقلية المليشيا لا بمنطق الدولة.
غرامات متراكمة وأسعار لا ترحم
تفرض شركات الشحن العالمية غرامات تبدأ بعد أسبوعين من التأخير وتصل إلى مئات الدولارات يوميًا لكل حاوية. ومع استمرار احتجاز الشحنات، تتراكم التكاليف لتضاف مباشرة إلى أسعار السلع الغذائية في السوق، ما يعني أن المواطن اليمني هو الخاسر الأكبر.
ويقول أحد الاقتصاديين إن الحوثيين حولوا “الفوضى اللوجستية” إلى وسيلة تمويل جديدة، حيث تستفيد الجماعة من الغرامات والرسوم الإضافية كدخل غير رسمي. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار القمح والدقيق بنسبة تتجاوز 70% خلال الأشهر الأخيرة، في حين لم تُتخذ أي إجراءات حقيقية لضبط السوق أو تخفيف الأعباء على المستهلكين.
شعارات زائفة لتغطية الفشل
تحاول المليشيا التغطية على إخفاقاتها الاقتصادية بشعارات براقة مثل “تحقيق الاكتفاء الذاتي” و“توطين الصناعات المحلية”، لكن الواقع على الأرض يكشف أن هذه العناوين ليست سوى غطاء لتوسيع النفوذ التجاري للقيادات الحوثية. فقد أنشأت الجماعة شركات وهمية باسم “المبادرات الوطنية”، تحصل على امتيازات حصرية لاستيراد السلع، بينما تُقصى الشركات المستقلة وتُخنق بالتراخيص والرسوم.
ويؤكد مراقبون أن الحوثيين يديرون الاقتصاد بعقلية “الجباية والاحتكار”، لا بعقلية الدولة، حيث تُوزّع الفرص التجارية كمكافآت للموالين، وتُستخدم المؤسسات العامة كأدوات سياسية واقتصادية لإخضاع الخصوم.
بين الانقسام الداخلي والجوع الشعبي
الأزمة في موانئ الحديدة ليست سوى جزء من مشهدٍ أوسع يعكس الفشل البنيوي لإدارة الحوثيين. فمع تصاعد الصراعات الداخلية حول الموارد، وتزايد الابتزاز الاقتصادي ضد التجار، تتآكل قدرة اليمنيين على الصمود أمام موجات الغلاء وانعدام الأمن الغذائي.
ويحذّر خبراء من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى كارثة إنسانية واقتصادية، إذ لم تعد الأسواق قادرة على امتصاص الارتفاع المستمر للأسعار، ولا التجار قادرين على الاستيراد في ظل المخاطر المتزايدة.
الخلاصة: اقتصاد الرعب بديلاً عن الدولة
لقد حوّل الحوثيون موانئ الحديدة إلى أداة للنهب والسيطرة، وفرضوا نظامًا اقتصاديًا يقوم على الترهيب لا التنظيم، وعلى الفوضى لا القانون. وبينما يدفع المواطن اليمني الثمن مضاعفًا، تواصل الجماعة تضليل الرأي العام بشعارات “الصمود” و“الاقتصاد المقاوم”، فيما الواقع يؤكد أن ما يجري هو اقتصاد حربٍ موجه لخدمة القلة المتنفذة.
إن ما تشهده موانئ الحديدة اليوم ليس مجرد أزمة إدارية، بل جريمة اقتصادية مكتملة الأركان ضد شعبٍ يتضور جوعًا، وضد وطنٍ تُنهب مقدراته يومًا بعد يوم تحت راياتٍ زائفة لا تخفي حقيقة واحدة: أن الحوثيين باتوا العدو الأكبر للاقتصاد اليمني ولحق اليمنيين في حياة كريمة.
   تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية  عبر  Google news
  تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية  عبر  Google news