روح الآسيان .. كما رأيتها في قمة الآسيان الـ47 في كوالالمبور

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 61 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
روح الآسيان .. كما رأيتها في قمة الآسيان الـ47 في كوالالمبور

كتاب الرأي

د. عادل محمد باحميد

شاركتُ اليوم في مراسم الافتتاح الرسمي للقمة السابعة والأربعين لرابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) التي استضافتها العاصمة الماليزية كوالالمبور، في لحظةٍ آسيويةٍ مفعمةٍ بالمعاني والدلالات، وحدثٍ دوليٍّ يليق بماليزيا وبريادتها وهي تقود الآسيان خلال العام 2025م.

وأجدني ملزمًا في بداية مقالي، أن أتقدّم بخالص التهاني لماليزيا حكومةً وشعبًا على نجاح هذا الحدث الكبير، الذي أثبت مجددًا أنّها لا تزال نموذجًا مضيئًا في إدارة الفعاليات الدولية، وفي تعزيز روح الوحدة الإقليمية والمسؤولية الجماعية.

ما زالت ماليزيا ودول الآسيان تعطينا، نحن العرب واليمنيين على وجه الخصوص، الدرس تلو الآخر في أهمية التوحّد ونبذ الفرقة والانقسامات، في عالمٍ لم يعد يعترف بالصغار ولا يرحم الضعفاء، عالمٍ لا مكان فيه إلاّ للكبار المتماسكين، الذين يختارون الشراكة على الصراع، والعمل المشترك على الانغلاق.

وقد استوقفتني في هذه القمة عدد من المحطات التي تستحق التأمل، أولها، الإعلان الرسمي عن انضمام تيمور الشرقية كعضوٍ حادي عشر في رابطة الآسيان، بعد سنواتٍ من التحضير والإعداد والجهود المتواصلة لتلبية المعايير والمتطلبات التي تؤهلها للعضوية الكاملة. كانت لحظة رفع علم تيمور الشرقية إلى جانب أعلام دول الآسيان لحظة مؤثرة بامتياز؛ وقف رئيس وزرائها وعيناه تفيض بدموع الفخر والاعتزاز، يتحدث بلغة المستقبل لا بلغة الماضي، عن التنمية والاقتصاد والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الأزرق، متجاوزًا الخطابات المناطقية والمشاريع الضيقة نحو آفاقٍ أرحب من التكامل والتعاون.

أما المحطة الثانية، فهي توقيع اتفاقية السلام بين كمبوديا وتايلند بعد مواجهاتٍ عسكريةٍ مؤسفة بين البلدين. لقد اختار الطرفان لغة العقل والحوار على لغة المدافع، وآثرا مصلحة شعبيهما على نوازع الكراهية والخلاف، في مشهدٍ يجسد النضج السياسي والإدراك العميق لمعنى السلم كخيارٍ استراتيجيٍّ لا ترفٍ عابر.

لقد غصّت أروقة القمة باتفاقيات التعاون الثنائي والمتعدد، وكلها تدور حول حياة الناس ورفاههم وتنمية مجتمعاتهم، وتأمين مستقبلها، فالكل خرج رابحًا مستفيدًا شيئًا لشعبه ودولته، لا مكان هنا للشعارات الجوفاء أو العسكرة أو الملشنة أو الشعبوية أو المزايدات، أو اللعب على عواطف الجماهير، بل هي لغة الأرقام والمكاسب الحقيقية، غابت أسماء الزعماء، وبرزت أسماء الدول، فغابت الأنا وحضرت المصلحة العامة، وغابت الشخصنة وبرزت الدولة.

وإلى جانب دروس الوحدة والتماسك، تقدّم الآسيان درسًا آخر لا يقل عمقًا وأهمية، هو الانفتاح على العالم والبحث الدائم عن الشراكات العابرة للمحيطات والقارات. لقد تجسّد ذلك بوضوح في استضافة قمة الآسيان الحالية لاجتماعاتٍ موازيةٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبرازيل وجنوب أفريقيا واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا والصين وروسيا ونيوزلندا، مثلما انفتحت القمة الماضية على الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. إنه فكر الشراكة لا التبعية، وعقلية العمل المشترك لتحقيق مصالح الجميع، حيث تُبنى العلاقات على الاحترام والتكامل لا على الصدام أو العزلة.

ولعلّ أحد أكثر المشاهد تعبيرًا عن روح هذه الرابطة هو النشيد الموحد لدول الآسيان الذي يُفتتح به كل اجتماع رسمي. يصدح الحضور جميعًا بلحنٍ واحدٍ من إحدى عشرة دولةٍ ولغةٍ ودينٍ وعرقٍ وثقافةٍ مختلفة، لكنهم يجتمعون على كلماتٍ تعبّر عن وجدانٍ مشتركٍ يقول: 

نجرؤ على الحلم، ونحرص على المشاركة — معًا، من أجل الآسيان، نجرؤ ونسير بثقة.

وفي مقطعٍ آخر يلخص النشيد فلسفة الآسيان كلها في ثلاث كلمات أصبحت شعارًا للمنطقة بأسرها:

(رؤية واحدة، وهوية واحدة، ومجتمع واحد)

إنه أكثر من مجرد نشيد؛ إنه إعلان هوية ومشروع حضاري مشترك، يجمع بين التنوع والانسجام، ويجسّد معنى أن تكون مختلفًا دون أن تكون متنافرًا، وأن تكون متعدد الألوان لكنك جزء من لوحةٍ واحدةٍ متناسقة.

ومن الرموز الجميلة التي تعبّر عن هذه الروح، التقليد الراسخ الذي يحرص عليه قادة الآسيان في كل قمةٍ أو اجتماعٍ عند التقاط الصورة الرسمية، حيث يقف الجميع متشابكين بالأيدي في صفٍ واحدٍ، تتقاطع فيه الأذرع لتشكل حلقةً بشريةً متماسكة، تُعلن بصمتٍ بليغ أن هذه الشعوب اختارت أن تمسك بأيدي بعضها، وأن تواجه المستقبل كجسدٍ واحدٍ ومصيرٍ واحد.

تلك هي روح الآسيان التي جعلت منها اليوم واحدة من أنجح التجارب الإقليمية في العالم، روح العمل الجماعي، والانفتاح الذكي، واحترام السيادة، وتغليب المصالح المشتركة على الخلافات. فكم نحتاج – في حالتنا اليمنية والعربية الراهنة – إلى أن نتأمل هذه الدروس بعمق، لندرك أن طريق النهوض لا يُعبَّد بالشعارات ولا تُبنى الدول بالانقسامات، بل بالوحدة، والانفتاح، والرؤية المشتركة، وإرادة السلام والتنمية.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تطور خطير في صنعاء: مليشيات الحوثي تعتقل ”الحاوري”

المشهد اليمني | 609 قراءة 

السعودية توقف تصاريح دخول البواخر إلى ميناء عدن على خلفية رفض انسحاب قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة

صحيفة ١٧ يوليو | 587 قراءة 

لقاء مرتقب بين الرئيس العليمي ووزير الدفاع السعودي بعد رفض مليشيات الانتقالي الانسحاب من حضرموت والمهرة

المشهد اليمني | 511 قراءة 

باحث سعودي: مفاوضات الحل السياسي في اليمن تتقدم والانتقالي أقحم نفسه في ورطة وسقط في الفخ

المشهد اليمني | 488 قراءة 

البركاني يعتذر ويطلب ضم تعز للجنوب.. مصادر تكشف تفاصيل لقاءالبركاني مع الرئيس الزُبيدي

الأمناء نت | 409 قراءة 

استنفار إخواني غير مسبوق في مأرب وسط مخاوف من تحولات عسكرية

نيوز يمن | 358 قراءة 

طبول الحرب تُقرع شرق حضرموت.. تحركات عسكرية مقلقة تهدد سيئون

العين الثالثة | 354 قراءة 

القوات الجنوبية تخوض اشتباكات عنيفة في طور الباحة والطيران يتدخل

نافذة اليمن | 338 قراءة 

تفاصيل جديدة حول قضية إعدام الشاب أمين باحاج خارج القانون في شبوة

يمن فويس | 317 قراءة 

الكشف عن حقيقة القرار السعودي الأخير المتعلق باليمن

نيوز لاين | 306 قراءة