"المرأة التي تسقط أجنتها مرة بعد أخرى، ليست صالحة للزواج، من الأفضل لبعلها أن يرتبط بأخرى حتى يرزق بأطفال" ؛ هكذا ينظر البعض لمن تسقُط عليها الأجنة بشكل متكرر، والتي تزايدت بشكل مقلق خلال الأعوام الأخيرة باليمن في ظل توسع سوء التغذية وتراجع الخدمات الصحية في البلاد التي تعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
وفي زمن الحرب في اليمن انتشرت ظاهرة سقوط الأجنة بشكل لافت، وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن اليمن تعاني من معدلات وفيات عالية بين الأمهات؛ إذْ تموت امرأةٌ كل ساعتين أثناء الحمل أو الولادة، كما تعاني نحو 5 ملايين ونصف من النساء والفتيات في سن الإنجاب من الوصول المحدود لخدمات الأمومة الصحية، بالإضافة إلى أنه من بين كل عشر (10) ولادات ،تتم 6 ولادات بدون مساعدة قابلة مؤهلة.
ويُعرّف أطباء الإسقاط بأنه فقدان محصول الحمل قبل الأسبوع 24، أو ولادة جنين بوزن أقل من 500 غرام، بينما يسمى ولادة مبكرة في الفترة بين (24- 35) أسبوعًا، مشيرين إلى أن الإسقاط نوعين "دوائي"، وله استطبابات طبية، مثل "كيس حمل دون جنين ويسمى بيضة رائقة، أو تشوهات جنينية غير عيوشة مثل غياب العظام القحفية".
فيما يسمى النوع الثاني، بالإسقاط "الجراحي" -التدخل بعملية جراحية- يأتي في حالات عدم الاستجابة الدوائية أو النزف، وبهذه الحالات تبقى المريضة بالمستشفى وتعطى الدواء، وعند حدوث نزف شديد يجرى التفريغ الجراحي للرحم.
بهذا التقرير سنحاول تسليط الضوء على ظاهرة إسقاط الأجنة في اليمن، متخذين محافظة تعز نموذجًا.
*أم فقدت خمسة أجنة
أم كرم (29 عامًا) من تسكن في مدينة تعز، ينتابها قلق واضطراب نفسي وشعور بالخوف من الإسقاط، منذ الأيام الأولى من الحمل، فقدت خمسة أجنة منذ زواجها عام2018، وانثان فقط من قُدر لهم البقاء في رحمها حتى الاكتمال.
تقول لـ" المهرية نت" سقط طفلي الأول في الشهر الثاني من الحمل، والذي كان الفرحة الأولى لي ولزوجي، وبعدها قدر الله للحمل الثاني التمام، وبعده سقط ثلاثة أجنة، وبعد ذلك رزقني الله بطفل ثان، وقبل أسابيع كنت قد بُشرت بالحمل؛ لكنه لم يكمل شهره الثاني فسقط تاركًا لي خلفه آلامًا جسدية ونفسية لا تُحتمل".
وهي واحدةٌ من آلاف النساء في اليمن، اللاتي يكافحن الحياة للتوفيق بين الإنجاب وممارسة أعمالهن خارج المنزل، تعمل في مهنة التدريس وتظل واقفة لساعات في الفصل الدراسي.
وأردفت أم كرم" أخبرتني الدكتورة أكثر من مرة بأخذ راحة والاستلقاء لفترة طويلة باليوم وتناول المزيد من الأدوية والفيتامينات، لكن هذا لا يناسب وضعي، أنا بحاجة إلى التحرك، وإهمال الأدوية باهظة الثمن التي يجب أن أتعاطاها".
وبحسرة تروي الواقع الاجتماعي الذي تعيشه وإلقاء اللوم عليها لأنها تتعرض للاجهاض مرات عدة، وتُرمى بتهم الإهمال والتقصير، وتضيف "حتى أن بعض الأزواج- وهم الذين يفترض بهم أن يكونوا سندًا للمرأة في مثل هذه الظروف العصيبةـ للأسف عادة ما يتذمرون ويظهر عليهم السخط وهذا الأمر يحزُ في نفس المرأة كثيرًا ويزيد من حالتها النفسية المرهقة أساسا".
*الإهمال وسوء التغذية
ومع استمرار الصراع والانهيار الاقتصادي المتزايد، أصبح الحصول على الغداء أو الدواء المناسب للنساء في مرحلة الحمل ليس بالأمر اليسير، ما عزز من ظاهرة إسقاط الأجنة، كما تقول الدكتورة تغريد العواضي" أخصائية نساء وولادة- تعمل في مركز 22 مايو في مدينة تعز" والذي يستقبل في اليوم الواحد ما بين 15- 20 حالة من المراجعات اليومية للحوامل، منها من أوشكت على الإسقاط ومنها من قد أسقطت مرات قبل حملها الحالي وهذا يرجع لأسباب كثيرة أهمها الالتهابات الشديدة أو أمراض الرحم.
وأضافت العواضي لـ" المهرية نت"إن" أكثر الأسباب شيوعًا للإجهاض هي أسباب كروموسومية، الالتهابات الشديدة، وقلة الوعي الصحي بأهمية عمل الفحصوصات الطبية والمتابعة الدورية مع طبيبة النساء والولادة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية التي تسبب في نقص تلقي الرعاية الصحية وسوء التغذية".
وأشارت الدكتورة تغريد إلى أن الأجنة يكونوا أكثر عرضة للإسقاط تحت ظروف مختلفة منها سوء التغذية، وإهمال هذا الجانب؛ يؤدي إلى الإصابة بفقر الدم الشديد ونقص بعض الفيتامينات والمعادن المهمة لنمو الجنين.
*حالات كثيرة بعيدة عن الرصد
ومع التضاريس الصعبة التي يتميز بها الريف اليمني، والحياة القاسية التي تعيشها النساء الريفيات، تكثر حالات الإجهاض، وإن لم يتم رصد تلك الحالات بسبب عدم اللجوء للمستشفيات، وتؤكد ذلك العواضي بقولها،: إن" الظروف الاجتماعية وخاصة في الأرياف التي تتطلب من المرأة إجهادًا جسديًا كبيرا في العمل المستمر يكون سببا في الإجهاض، بالإضافة إلى العامل النفسي ومشاكل الرحم وعنق الرحم ( الورم الليفي)".
وشددت الدكتورة تغريد على ضرورة المتابعة الطبية المنتظمة، والراحة الجسدية، وتخفيف الأعمال الشاقة، إلى جانب الدعم النفسي للمرأة، فهي عوامل أساسية للحفاظ على الحمل وتقليل مخاطر الإجهاض المتكرر.
فيما توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة تعزيز رعاية ما قبل الولادة وتوفير مكملات الحديد وحمض الفوليك لجميع الحوامل، مع تحسين التغذية والفحوصات الدورية للكشف عن الالتهابات والأمراض المزمنة التي قد تؤدي إلى سقوط الأجنة.
سقوط ستة أجنة وآثار نفسية
إيمان محمد (30 عامًا)" اسم مستعار" فقدت ستة من الأجنة خلال ثلاث سنوات فقط، لم تحظَ بمولود كبقية النساء من حولها إلا بعد أربع سنوات من الزواج، قضتها في قلق مستمر، وحزن فشلت في إخفائه.
وتعيش إيمان في ريف جبل صبر، بمحافظة تعز، تقضي حياتها بين جلب المياه من الآبار وإطعام الماشية والاهتمام بزراعة الأرض التي تتطلب مزيدًا من الجهد والمشقة.
وتتحدث إيمان لـ" المهرية نت" كنت أعاني من ضغوط نفسية كبيرة خلال فترات الإجهاض، عندما يسقط الجنين لم أعد أفكر بالآلام الجسدية الكبيرة التي ترافقه، ولا بالنزيف الحاد الذي يكاد يفقدني الحياة، كنت أفكر فقط كيف أخبر زوجي بذلك عندما يتصل بي ويسأل عن حالي وحال من هو في بطني".
وعاشت إيمان تفاصيل الخوف من نظرات النساء في قريتها، وكانت تخشى مقابلتهن؛ خوفًا من تكرار الأسئلة عليها بما يخص إنجابها، وتضيف "عندما أحتضن الأطفال وأسمع أمهاتهم يدعين لي أن يرزقني الله بالذرية الصالحة، كنت أشعر أن هذا نوع من السخرية على وضعي السيء، أشعر باضطراب نفسي يفقدني الرد عليهن".
واضطرت إيمان للسكن داخل المدينة والالتزام بالأدوية التي تصرفها لها الطبيبة حتى استطاعت أن تحافظ على جنينها السابع حتى الاكتمال في الرحم والخروج عن طريق عملية قيصرية، وقد كلفها الأمر الكثير من الخسارة المادية لكنها تشعر بالسرور لأنها حققت حلمًا كانت تظنه بعيد المنال.
*تأثيرُ الحرب على القطاع الصحي
و يعاني القطاع الصحي في اليمن من تحديات جسمية تراكمت مؤخرًا مع انسحاب بعض بعض المنظمات الداعمة؛ الأمر الذي انعكس سلبًا على حياة المواطنين الصحية وتحديدًا في جانب الصحة الإنجابية.
وسجلت محافظة تعز خلال عام 2024م ( 1668 ) حالة إجهاض، بالإضافة إلى 39 ألف حالة ولادة منها 13 حالة وفاة"، بحسب المسؤول الإعلامي لمكتب وزارة الصحة والسكان بالمحافظة، تيسير السامعي.
ويشير السامعي إلى أن القطاع الصحي في اليمن يعاني بشدة من نقص الكادر الطبي، بنسبة تفوق 50%، إضافة إلى أنه أكثر من 50% من المرافق الصحية أصبحت خارج الخدمة، معطلة إما كليًا أو جزئياً.
وأضاف السامعي لـ" المهرية نت" معظم المرافق الصحية العاملة تفتقر، إلى الموازنات التشغيلية، كما أن الكادر العامل في قطاع الصحة لا يتقاضى الرواتب الكافية، بسبب تدني الوضع الاقتصادي وانهيار العملة".
وأشار إلى أن الكثير من السكان اللاهثين إلى الخدمة الجيدة وبالذات الحوامل والأطفال يتضررون بسبب تدني الموازنات؛ فقد أصبحت خدمات الرعاية الصحية الأولية المقدمة للمواطنين قليلةً وغير جيدة بسبب شحة الإمكانيات.
ولفت إلى أن" هناك دعم من قبل المنظمات للقطاع الصحي إلا أن ما يقدم لا يفي بالغرض، ولا يتناسب مع حجم الكارثة، مشيرًا إلى أن" المنظمات بدأت تنسحب، وبدأ الدعم يتقلص، وهذا ما ضاعف من حجم الكارثة وزاد من معاناة الجانب الصحي، محذرًا من أنه إذا استمر انسحاب المنظمات الداعمة سيزيد الوضع سوءًا وتعقيدًا، وسينعكس ذلك بمرارة على المواطنين.
وتواجه النساء في اليمن وضعاً صحياً وغذائياً بالغ الخطورة، إذ يكشف تقرير اليونيسف الصادر في 18 أغسطس 2024، أن نحو 223 ألف امرأة حامل ومرضعة يعانين من سوء التغذية الحاد في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، في مؤشرٍ خطير يعكس هشاشة الوضع الصحي والتغذوي للنساء في ظل الأزمة الإنسانية المستمرة.
ويؤكد التقرير أن هذه الفئة من النساء تعيش في ظروف معيشية وصحية متدهورة تتقاطع فيها أزمات الغذاء والمياه والتدهور الاقتصادي، ما يجعلهن في مواجهة مباشرة مع خطر المضاعفات الصحية أثناء الحمل والولادة، وضعف المناعة، وتراجع فرص النمو الصحي لأطفالهن.
وبحسب التقرير فإن محافظتي الحديدة وتعز سجلت أعلى معدلات سوء التغذية الحاد، حيث تتجاوز النسب في بعض مديرياتها 33 بالمائة، وهي مستويات "حرجة للغاية" وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
وفي ظل هذا الواقع، دعت اليونيسف وكالات الأمم المتحدة إلى استجابة عاجلة ومستدامة تُعنى بتحسين التغذية والرعاية الصحية للنساء، عبر توفير الغذاء المغذي، والمياه الصالحة للشرب، وخدمات الصحة الإنجابية، بوصفها عناصر إنقاذ أساسية لحماية مستقبل الأمهات اليمنيات وأطفالهن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news