بمجرد أن تتجاوز بوابة المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في مدينة إب، تجد نفسك أمام عالمٍ آخر من الألم والمعاناة. في المكان تتجسد مأساة آلاف المرضى الذين يواجهون السرطان بصمت، وتتكشف أمامك تفاصيل كارثة ما تزال بعيدة عن الاهتمام الكافي.
في محيط المبنى وممراته، تلتقي مشاهد الرحمة التي يجسدها القائمون على هذه المبادرة الإنسانية، التي تقدم خدماتها لأكثر من ثمانية آلاف مصاب، لكن الأمل يتبدد في عينيك وأنت ترى الأجساد الهزيلة التي نخرها المرض، تتوسل جرعة علاج لا تملك ثمنها.
المؤسسة نفسها تعاني عجزًا في توفير احتياجات المرضى، في ظل غيابٍ تامٍّ لدور الجهات الرسمية.
تلك الصورة تكشف جانبًا من تداعيات الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، والتي تسببت في توقف نصف المنشآت الطبية عن العمل. في المقابل، يصرخ قطاع واسع من سكان محافظة إب دون استجابة تُذكر، احتجاجًا على تفشي حالات الإصابة بالسرطان، مطالبين بوقف ريّ مزارع الخضار بمياه المجاري، ووضع حد لانتشار المبيدات المسببة للأمراض، والتأكد من سلامة المنتجات الغذائية والصناعية.
إب التي أُعلنت يومًا ما عاصمة سياحية لليمن، باتت اليوم حقلًا خصبًا لتفشي الأمراض، وفي مقدمتها السرطان. تشير التقديرات إلى اقتراب عدد المصابين من ثمانية آلاف حالة، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار أسباب التلوث.
ويفاقم من مأساة السكان انتشار الفقر الذي أدمى القلوب قبل الأجساد، وجعل كثيرين عاجزين عن شراء الدواء أو السفر للعلاج في الخارج.
ورغم الأحاديث الخجولة عن تزايد حالات الإصابة بالسرطان في المحافظة نتيجة التلوث البيئي وتدهور الأوضاع المعيشية وغياب الرقابة على المبيدات والأسمدة، لا تزال صرخات المرضى حبيسة الجدران، والمعاناة تتفاقم، فيما يقف رجال المال بعيدين عن مشهد المأساة.
ووفقًا لإحصائية فرع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في إب، فقد تم تسجيل 800 حالة جديدة أواخر العام الماضي، معظمهم من الأسر الفقيرة والمعدمة التي لا تتلقى الرعاية الصحية الكافية بسبب شح الإمكانيات.
وقد ناشدت المؤسسة الجهات المعنية دعمها بالأدوية والمحاليل الطبية وصيانة الأجهزة، نتيجة تزايد عدد الحالات التي تتوافد يوميًا إلى مركز الأمل للأورام، والتي تصل إلى نحو 80 حالة يوميًا، ما يحمّل المركز أعباءً تفوق قدرته التشغيلية.
وأشارت إحصائية سابقة للمؤسسة إلى وجود أكثر من 7,095 حالة إصابة بالسرطان في مختلف مديريات المحافظة، معظمهم من الفئات الأشد فقرًا، داعيةً الجهات الرسمية والمنظمات ورجال الأعمال إلى سرعة التدخل لتوفير الخدمات الصحية والرعاية التشخيصية والعلاجية وإنقاذ حياة المرضى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news