شتاء جديد يحل على اليمن، حاملًا معه موجة معاناة تضاف إلى قائمة التحديات اليومية التي يعيشها المواطنون.
وتُعد شريحة الأطفال هي الأكثر تضررًا من برد الشتاء القارس، الذي أقبل هذا العام في ظل استمرار ارتفاع أسعار الملابس الشتوية في الأسواق المحلية، رغم انخفاض سعر الصرف.
صراع الأسر لتوفير الدفء
ويجد أولياء الأمور أنفسهم أمام تحدٍ كبير يتمثل في تأمين الملابس الدافئة لأطفالهم، مما يزيد من معاناتهم في مواجهة الأمراض التي تنتشر خلال هذا الموسم، في ظل تدهور معيشي مستمر جعل الأسر اليمنية عاجزةً عن توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة.
وعلى الرغم من أن موسم البرد هذا العام لا يزال في أيامه الأولى، إلا أن المؤشرات تشير إلى زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بأمراض الشتاء بين الأطفال، في الوقت الذي يقف فيه أولياء الأمور عاجزين عن شراء الأدوية الضرورية؛ نتيجة استمرار ارتفاع أسعارها مقارنة بدخلهم.
قاتل صامت في مخيمات النازحين
ويأتي البرد ضيفًا ثقيلًا بشكل خاص على أطفال النازحين الذين يعيشون في مخيمات مهترئة أو كنتيرات صغيرة، تفتقر للأجواء الصحية، كما هي الحال لدى أطفال نازحي محافظة مأرب، التي تضم أكبر عدد من النازحين.
بهذا الشأن يقول صدام زعبل" مدير مخيم الكنتيرات بمأرب": "يستقبل النازحون فصل الشتاء هذا العام في ظل ظروف معيشية قاسية وبيئة صحراوية شديدة البرودة"، مشيرًا إلى أن موجات الصقيع بدأت تدب في أرجاء المخيمات بشكل مخيف.
ويضيف زعبل لـ"المهرية نت": "تنتشر اليوم أمراض الشتاء بين الأطفال، كأمراض الجهاز التنفسي والسعال الجاف، الأمر الذي يجعل النازحين في قلق كبير في مواجهة تحديات هذا الموسم القاسي".
وبحسب زعبل، فإن "المساكن المؤقتة التي يعيش فيها النازحون منذ سنوات لا تملك أي عوازل، ولا تقي قاطنيها من انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة، خاصة في ساعات الليل المتأخرة ووقت الفجر".
ولفت إلى أن" أطفال النازحين هم من يدفعون الثمن الأكبر؛ إذ يواجه هؤلاء الصغار البرد وهم يفتقرون إلى الحد الأدنى من الحماية، مثل الملابس الثقيلة والسكن الدافئ والغذاء السليم الذي يمنح الجسم مناعة لمقاومة البرد وأعراضه".
وأكد أن "البرد في مخيمات النزوح بمأرب ليس مجرد طقس عابر؛ بل هو قاتل صامت يفتك بالعديد من النازحين كل عام" داعيًا المنظمات الإنسانية والدولية إلى المساعدة في تخفيف عناء البرد على أطفال النازحين وأسرهم.
ضعف المناعة وأزمة العلاج
تتزايد الحالات المرضية مع دخول فصل الشتاء بين جميع الفئات بشكل واضح، وتتركز في نزلات البرد والإنفلونزا والتهابات الحلق واللوزتين والالتهابات الصدرية والربو التحسسي، بالإضافة إلى التحسس الجلدي أو الإكزيما الشتوية، كما يشير إلى ذلك الصيدلاني عيدروس صادق.
وبحسب عيدروس، فإن الأطفال أكثر عرضةً لهذه المضاعفات بسبب ضعف المناعة وسوء التغذية الذي يطغى اليوم على غالبية الأسر، مشيرًا إلى أن "هذه الأمراض أصبحت عبئًا صحيًا ومعيشيًا على الأسر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف العلاج".
ويحذر الصيدلاني من ممارسات خاطئة شائعة، مثل الإفراط في استخدام مهدئات الحمى دون فحص، أو عدم مراعاة الجرعة المناسبة للعمر، وينبه من أن بعض الأهالي يسيئون تفسير ارتفاع حرارة الرأس فقط مع برودة الأطراف كأمر إيجابي، وهو في الحقيقة مؤشر سلبي علميًا؛ إذ يشير إلى أن الجسم يحاول حماية الأعضاء الحيوية بينما تعكس الأطراف الباردة ضعف الدورة الدموية أو وجود التهاب قوي يستلزم فحصًا طبيًا عاجلًا ورعاية دقيقة.
احتكار الأدوية وغياب الضمير
ويشير عيدروس في حديثه لـ"المهرية نت" إلى أنه "على الرغم من إعلان الجهات المختصة عن إلزام الشركات بتخفيض أسعار الأدوية بنسبة تقارب 40% بعد انخفاض سعر الصرف، إلا أن هذا التخفيض لم يواكب تراجع القدرة الشرائية وانعدام السيولة لدى المواطنين".
ودعا صادق شركات الأدوية وموزعيها إلى أن يحترموا دخل المواطنين بتوفير الدواء بأسعار مناسبة تتناسب مع كفاحهم اليومي، مؤكدًا أن" بعض الشركات الدوائية التزمت شكليًا بالتسعيرة الجديدة، ولجأت شركات أخرى إلى احتكار الأصناف المهمة وإخفائها، ثم إعادة طرحها في مراكز محددة بأسعار مرتفعة، في ممارسات تشبه السوق الدوائية السوداء".
وشدد على القائمين على شركات الأدوية بقوله "أبناء جلدتكم يكافحون بشدة ويعيشون ظروفًا صعبة، يستحقون أن تصل إليهم الأدوية بأسعار عادلة ومنصفة".
التأثير على العملية التعليمية
ويكون هذا الموسم قاسيًا على طلاب المدارس، خاصة في الساعات الأولى من الحصص الدراسية، الأمر الذي يفقدهم القدرة على التركيز، ناهيك عن إصابة البعض بالمرض الذي يقعدهم في المنازل.
بدورها تقول هبة الهمداني (معلمة طلاب الصف الأول في إحدى مدارس محافظة تعز): "في هذا الأسبوع بدأت ألاحظ تغيب بعض طلابي عن الحصص بسبب المرض الناتج عن نزلات البرد".
وأشارت إلى أن "طلاب الصف الأول يتأثرون كثيرًا من البرد ومن العدوى التي تحدث نتيجة احتكاكهم ببعضهم، كما أن الأسر عادةً ما تعمل على تغييب أطفالها الصغار إذا أصيبوا بوعكات صحية".
وأضافت: "الغياب يؤثر على الطالب؛ إذ يصبح غير قادر على متابعة كل الدروس، خاصة إن استمر الغياب لأكثر من ثلاثة أيام".
وتابعت: "يقل التركيز لدى الطلاب في الأيام التي يكون فيها البرد قاسيًا... ونحن كما يعلم الجميع نعلم طلابنا في مدارس تخلو من أي وسائل تدفئة، أي أن الطالب إذا لم تعتنِ به أسرته بالملابس الثقيلة سيكون عرضة للبرد وأعراضه".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news