يمن ديلي نيوز:
تواجه منظمة الأمم المتحدة واحدة من أكثر مراحل عملها في اليمن حساسية وخطورة، عقب اتهامات وجهها زعيم جماعة الحوثي، المصنفة إرهابية لمنظمات وموظفي الأمم المتحدة بـ”التجسس والعمل لصالح إسرائيل”، في خطوة أثارت موجة واسعة من القلق في الأوساط الحقوقية والسياسية والدبلوماسية.
تأتي هذه الاتهامات في ظل حملة اعتقالات طالت العشرات من موظفي المنظمات الأممية والدولية، آخرهم قبل أيام عندما اقتحمت مجمعاً سكنياً لموظفي الأمم المتحدة، إذ تشير مصادر حقوقية إلى أن عدد المحتجزين تجاوز 50 موظفًا.
هذا التصعيد الخطير – بحسب محللين تحدثوا إلى “يمن ديلي نيوز” – يمثل تحدياً مباشراً للأمم المتحدة واختباراً حقيقياً لقدرتها على حماية موظفيها ومبادئها، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من أن تؤدي هذه التطورات إلى شل العمل الإنساني في بلد يصنف من بين أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي هذا السياق، استطلع “يمن ديلي نيوز” آراء عدد من السياسيين والحقوقيين حول خيارات الأمم المتحدة بعد هذه الاتهامات، والسيناريوهات المحتملة للتعامل مع التصعيد الحوثي، والمخاطر التي تتهدد موظفيها والمجتمع اليمني على حد سواء.
عدة خيارات.. ولكن!
يرى المحلل السياسي المعروف، عبده سالم، أن لدى الأمم المتحدة خيارات لحماية موظفيها بعد الاتهامات الصادرة عن زعيم الحوثيين لكنها تعتمد على مدى تجاوب المجتمع الدولي وحجم الحماس لمواجهة التهديد الحوثي المتزايد.
في مقدمة هذه الخيارات يقول “سالم” التحرك الدبلوماسي والإجرائي المكثّف عبر مجلس الأمن والدول المؤثرة للضغط على الحوثيين للإفراج عن المحتجزين وضمان سلامة العاملين، وصولاً إلى استصدار قرارات دولية ملزمة بعد توثيق الانتهاكات ورفعها رسمياً في تقارير أممية، بما يوفّر أساساً قانونياً لفرض عقوبات دولية رادعة.
وأضاف في حديث مع “يمن ديلي نيوز”: من الطبيعي أن يلجأ مكتب الأمم المتحدة في اليمن إلى تقليص أو تعليق أنشطته الميدانية مؤقتاً في مناطق سيطرة الحوثيين لتقليل المخاطر، إلى جانب نقل مراكز العمليات إلى مناطق أكثر أمناً داخل اليمن أو خارجها عند الضرورة.
ملء الفراغ الاعلامي
السياسي، عبده سالم، قال إن بعض التقديرات تشير إلى أن اتهامات التجسس الصادرة عن زعيم الحوثيين تأتي في إطار محاولة الحوثيين ملء الفراغ الإعلامي والسياسي الذي خلّفته تراجع حدة حرب غزة، وهي الحرب التي اعتمدت عليها الجماعة طويلاً في شدّ التفاعل الشعبي معها وإكساب خطابها بعداً “مقاوماً”.
وذكر بأن الجماعة تسعى من خلال هذه التصريحات إلى استباق أي احتمال لأن تكون هي الهدف القادم بعد انتهاء تلك الحرب.
وواصل: الاتهامات الأخيرة تأتي في سياق تصعيد سياسي وأمني منظّم يهدف إلى الضغط على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لانتزاع تنازلات سياسية وإنسانية، كما تُستخدم داخلياً لتعبئة الأنصار وإظهار الحركة بمظهر “الضحية المستهدفة خارجياً”، خصوصاً بعد تصاعد الانتقادات الدولية لانتهاكاتها، مشيراً إلى أن هذه الاتهامات ذات طابع سياسي ودعائي أكثر من كونها مبنية على أدلة أمنية حقيقية.
وأشار، سالم إلى المخاطر التي تهدد المحتجزين، من موظفي الأمم المتحدة، وفي مقدمتها التعذيب وسوء المعاملة أو المحاكمات الصورية بذريعة “التجسس”.
وقال إن الاتهامات تفتح الباب أمام مزيد من التضييق على المنظمات الإنسانية والإغاثية، ما قد يؤدي إلى شلّ العمل الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين نتيجة الخوف وفقدان الثقة، ويزيد من معاناة السكان الذين يعتمدون على المساعدات الدولية.
اختبار حقيقي
من جانبه المدير التنفيذي في المركز الأمريكي “عبدالرحمن برمان”، الذي قال إن الأمم المتحدة أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها في حماية مبادئها وموظفيها، وأمامها عدة خيارات لحماية موظفيها في اليمن.
وأوضح برمان في حديثه لـ “يمن ديلي نيوز”، أن من أبرز الخيارات المتاحة أمام الأمم المتحدة هو ممارسة ضغط دبلوماسي حقيقي ومكثف عبر مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان والمبعوث الأممي، مع حشد موقف دولي منسق يجبر الحوثيين على إطلاق سراح المعتقلين.
ودعا برمان إلى تعليق أو تقليص التعاون الأممي مع الحوثيين في حال استمرار الانتهاكات، لتوجيه رسالة واضحة للجماعة مفادها أن العمل الإنساني لا يمكن أن يستمر في بيئة عدائية.
وأشار إلى أن من الخيارات المتاحة أمام الأمم المتحدة تفعيل آليات المساءلة الدولية، باعتبار أن اعتقال موظفين أمميين يعد انتهاكًا خطيرًا لاتفاقية الامتيازات والحصانات للأمم المتحدة لعام 1946، ورفع مستوى التنسيق الأمني والإجرائي لحماية كوادرها وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها.
اتهامات تمهد للإعدام
وحذر برمان من أن الاتهامات الموجهة للموظفين قد تصل عقوبتها إلى الإعدام وفقًا للقانون اليمني، لافتًا إلى أن الخطر الأكبر يتمثل في الإخفاء القسري وسوء المعاملة وانتزاع الاعترافات القسرية وبثها إعلاميًا لتبرير انتهاكاتها.
وأضاف: من المخاطر التي يواجهها الموظفون المحتجزون المحاكمات غير العادلة أمام ما يسمى “النيابة الجزائية المتخصصة” التابعة للحوثيين، والتي تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير العدالة والضمانات القانونية، إلى جانب استخدامهم كورقة تفاوض سياسي في ملفات إنسانية مع المجتمع الدولي.
كما حذر برمان من أن الاتهامات الأخيرة ستؤدي إلى تشديد القيود على بقية موظفي الأمم المتحدة، وربما دفع بعض المنظمات إلى تعليق أنشطتها في مناطق الحوثيين نتيجة تصاعد المخاطر الأمنية والضغوط المستمرة.
سياسة ممنهجة
المدير التنفيذي في المركز الأمريكي للعدالة في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” قال إن جماعة الحوثي تستخدم الاتهامات الموجهة لموظفي الأمم المتحدة كوسيلة ضغط سياسي وتبرير للاعتقالات بحق العاملين في المنظمات الدولية، وهي ممارسات ليست جديدة، تأتي ضمن نهج ممنهج تتبعه الجماعة منذ سنوات.
وأضاف أن الاتهامات التي وجهها زعيم الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة “ليست جديدة”، مضيفًا أن الجماعة دأبت على تكرارها في تصريحاتها وخطاباتها الرسمية، وعبر وسائل إعلامها ومنصاتها الإلكترونية.
وأوضح القانوني برمان أن الهدف من هذه الاتهامات هو خلق بيئة من الخوف والعداء تجاه المنظمات، وتخويف المواطنين المتعاملين معها، وتبرير عمليات الاعتقال التي تمارسها الجماعة ضد موظفيها، لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، والضغط على الأمم المتحدة للاعتراف بها كسلطة أمر واقع.
وتابع: هذه الحملات تتزامن عادةً مع صدور تقارير أممية أو دولية تدين الانتهاكات الحوثية مثل الاعتقالات التعسفية والتعذيب ونهب المساعدات الإنسانية، فترد الجماعة بتصعيد ضد المنظمات وموظفيها.
ونوه برمان إلى أن حديث الحوثيين عن “التجسس” يأتي لتبرير جرائم الاختطاف والإخفاء القسري بحق موظفي الأمم المتحدة، كما تسعى الجماعة إلى تهيئة الرأي العام الداخلي والدولي لتقبل هذه الانتهاكات.
وأشار إلى الحوثيين سبق أن أغلقوا وسائل الإعلام المستقلة وطاردوا الصحفيين لإحكام السيطرة على الخطاب الإعلامي ورواية الأحداث داخل مناطقهم، لتبقى هي الجهة الوحيدة المتحكمة في رواية الأحداث داخل مناطق سيطرتها.
قصور واضح
وفي معرض رده على سؤال حول دور الأمم المتحدة، انتقد رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية “عبدالصمد الفقيه” ما وصفه بـ “القصور الواضح” في تعامل منظمة الأمم المتحدة مع قضية موظفيها المحتجزين.
وتحدث الفقيه عما قال إنه “تدليل” تمارسه الأمم المتحدة تجاه الجماعة على مدى سنوات شجعها على التمادي في انتهاكاتها، رغم مخالفتها الصريحة للأعراف الدولية والإنسانية، إلا أنها لم تتخذ مواقف حازمة أو ردود فعل قوية تردع هذه الممارسات.
وحذر الفقيه من أن “كل شيء وارد مع جماعة لا تحكمها قوانين أو أعراف”، مشيرًا إلى أن الحوثيين قد يستخدمون المحتجزين كورقة ضغط في المفاوضات أو يوجهون إليهم اتهامات باطلة كما حدث في قضية “أبناء تهامة”، وربما يصل الأمر إلى الإعدام أو إبقائهم في ظروف احتجاز سيئة لسنوات.
وأشار إلى أن الأضرار لا تقتصر على الموظفين المحتجزين وأسرهم، بل تمتد لتشمل المجتمع اليمني بأكمله، إذ تتوقف أو تتقلص البرامج الإنسانية التي كانت تسهم في التخفيف من معاناة الشرائح الأكثر فقرًا واحتياجًا.
وشدد الفقيه على أن قضية اعتقال موظفي الأمم المتحدة من قبل جماعة الحوثي واحدة من أخطر الملفات الإنسانية في اليمن، ليس فقط لما تمثله من انتهاك صارخ للقانون الدولي، بل لما تحمله من تهديد مباشر لعمل المنظمات الإنسانية في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
تبرير الفشل الأمني
ورأى رئيس مركز واشنطن للدراسات أن موقف الأمم المتحدة في المرحلة المقبلة سيكون اختبارًا حقيقيًا لمصداقيتها وقدرتها على حماية موظفيها ومبادئها أمام جماعة تتعامل بمنطق القوة والابتزاز.
وفيما يتعلق بالاتهامات التي وجهتها جماعة الحوثي لموظفي الأمم المتحدة، اعتبرها الفقيه أنها تمثل “هروبًا إلى الأمام” ومحاولة لتبرير فشلها الأمني، مشيرًا إلى أن دوافع الجماعة وراء هذه المزاعم يمكن قراءتها من محورين رئيسيين.
وأوضح أن المحور الأول يتمثل في استمرار سياسة التضييق والتجويع بحق الشعب اليمني من خلال تعطيل أو إلغاء عمل المؤسسات الإنسانية التي تخفف من معاناته، أما المحور الثاني فهو محاولة التغطية على الاختراقات الأمنية داخل الجماعة عبر توجيه التهم للمنظمات الدولية.
ولفت إلى أن معظم موظفي الأمم المتحدة العاملين في اليمن “يمنيون، ويعملون في مجالات إنسانية بحتة تهدف إلى تخفيف المعاناة عن المجتمع”، حيث يحاول الحوثيون من خلال هذه الاتهامات “صرف الأنظار عن أزماتهم الداخلية وإخفاقاتهم الأمنية”.
يذكر أن اتهامات زعيم جماعة الحوثي لمنظمات الأمم المتحدة بالتجسس في ظل استمرار الغموض بشأن مصير 53 من موظفي الأمم المتحدة محتجزين لدى جماعة الحوثي بعضهم مضى عليهم أربع سنوات.
وكان زعيم جماعة الحوثي تحدث الخميس الماضي 16 أكتوبر/تشرين الأول عن “دور” لأحد موظفي برنامج الغذاء العالمي بصنعاء في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماعًا لحكومة الجماعة (غير المعترف بها) أواخر أغسطس الماضي، ونتج عنها مقتل رئيس الحكومة وتسعة وزراء آخرين.
كما اتهم في خطابه الأسبوعي الذي تبثه قناة المسيرة موظفين في منظمات تابعة للأمم المتحدة بممارسة ما قال إنها “أعمال تجسسية وعدوانية” لصالح أمريكا وإسرائيل.
وتهمة التجسس لصالح إسرائيل وأمريكا والأجانب هي تهم دأبت الجماعة على توجيهها نحو خصومها السياسيين منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 وفق تقارير محلية ودولية.
مرتبط
الوسوم
الموظفين الأمميين
الأمم المتحدة
اختطاف موظفي الاغاثات في صنعاء
جماعة الحوثي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news