تاريخ التفاعل بين الجمال والجدوى: الفضة.. من وهج القمر إلى شرارة الصناعة

     
يمن إيكو             عدد المشاهدات : 58 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تاريخ التفاعل بين الجمال والجدوى: الفضة.. من وهج القمر إلى شرارة الصناعة

يمن إيكو|قصة اقتصاد:

من بين كل المعادن التي زينت التاريخ، تظل الفضة الأقرب إلى الإنسان، ترافقه في الحلي والعملات ودوائر الحواسيب، نصفها جمال، ونصفها علم، وبينهما يمتد خيطٌ من الزمن يشدّها إلى الحياة كلما احتاج البشر إلى الملاذات الآمنة، كما هي الحال في عام 2025م حيث قفز هذا المعدن النفيس بنحو 70% إلى ما فوق سقف الـ50 دولاراً للأونصة الواحدة، ولأول مرة في تاريخ الفضة.

ومنذ أن لمح الإنسان بريقها الأول في جوف الصخور، كانت الفضة أكثر من معدنٍ ثمين؛ فكانت مرآةً للدهشة، وعصباً خفياً في اقتصاد الزمن القديم، والوسيط والحديث، ومعدناً يشبه الضوء حين ينسكب على صفحة الماء، ويخفي في لمعانه تاريخاً من الطقوس والتجارة والابتكار.

تاريخياً، حضر معدن الفضة في المعابد السومرية، وفي أسواق صور وصيدا وأثينا، كعملة مركزية للتبادل الأسمى قبل أن يُصكّ الذهب نفسه كندٍّ لها، ومع مرور القرون، غدت رمزاً للقيمة، ووحدة قياس للنقود، وسراً في ازدهار الحضارات التي امتلكت مناجمها.

ولئن نافسها الذهب في المكانة، فقد تميّزت الفضة عن الذهب بعلاقة مزدوجة بالإنسان واحتياجات حياته، فكانت معدناً نفيساً يحفظ الثروة، ومادة صناعية تدفع بالتقنية إلى الأمام، وفق ثنائية جعلت قيمتها تتقلب على تحولات الاقتصاد العالمي، بين فترات ازدهار وانكماش، كما لو كانت ميزاناً حساساً لنبض السوق، ومرجع ذلك لأن تاريخها هو تاريخ التفاعل بين الجمال والجدوى.

وفي القرن السادس عشر، ملأت الفضة القادمة من مناجم بوليفيا والمكسيك خزائن الإمبراطوريات الأوروبية، فغيّرت وجه التجارة العالمية، وربطت الشرق بالغرب في شبكة نقدية واحدة، غير أن بريقها لم يكن دائماً رمزاً للرخاء؛ إذ أدّى تدفقها المفرط في بعض العصور إلى أزمات تضخم، بينما تسببت ندرتها في أخرى بأزمات مالية طاحنة.

 

وبهذا التناقض العابر للتاريخ، كانت الفضة دائماً حَكَماً بين الاقتصاد والسياسة، ترسم خرائط النفوذ قبل أن تُسكّ على هيئة عملة.

ومع انبلاج العصر الصناعي، تغيّرت ملامحها، لتخرج الفضة من خزائن الملوك إلى مختبرات الكيميائيين ومصانع الإلكترونيات، في تحولٍ لم تعد فيه مجرد زينة أو نقود، بل أصبحت قلباً في الدوائر الكهربائية، وعدسة في الكاميرات القديمة، ومكوّناً لا غنى عنه في الطب وصناعة الطاقة المتجددة النظيفة، عبر محورية وجودها في ألواح الطاقة الشمسية.

ومنذ مطلع الألفية، ومع ازدهار التكنولوجيا الخضراء، عادت الفضة إلى الواجهة من بابٍ جديد، فكل خلية شمسية تحمل في تركيبها ذرات فضة تنقل الكهرباء، وكل رقاقة إلكترونية تتنفس عبر أسلاكها الناعمة، أصبحت “معدن المستقبل” الذي يربط الطاقة بالذكاء الصناعي.

ومع ذلك، فإن فرادتها لا تكمن في وظائفها وحدها، بل في مزاجها الاقتصادي أيضاً، فهي، بخلاف الذهب، تتأرجح بين كونها أصلاً استثمارياً وركيزة إنتاجية، هذا التناقض يجعل أسعارها أكثر حساسية تجاه حركة المصانع والمؤشرات الصناعية أكثر من المؤشرات المالية وحدها.

وفيما تعيش السوق العالمية حالة شدٍّ بين ندرة المورد وتعاظم الاستخدام، تجعل الفضة أشبه بمرآة دقيقة للتوازنات الاقتصادية، تُسقى مناجمها في المكسيك والصين وبيرو وغيرها من دول العالم، بعرق العمال منذ قرون، بينما تتحكم شركات التكنولوجيا الكبرى في التلاعب بميزان العرض والطلب، ليتم تداول الفضة في الأسواق العالمية وفق تنافس استثماري محكوم بإيقاعٍ من طرفي الميزان.

ومن منظور اقتصادي، ترتبط الفضة والذهب بعلاقة “الأخوين المختلفين”، فالذهب مخزن الثقة، والفضة مرآة الإنتاج، يرتفع الأول حين ينهار اليقين، وتشتعل الثانية حين تدور عجلة الصناعة. ومع ذلك، يجتمعان دائماً في فترات الأزمات كملاذين يحفظان القيمة من تآكل العملات.

وعلى مدى العقود الأخيرة، ظل المستثمرون يوازنون بينهما: الذهب للمستقبل البعيد، والفضة للفرص القريبة، فهي أرخص ثمناً، لكنها أكثر تقلباً، ما يمنحها سحراً خاصاً في أعين المغامرين الباحثين عن العائد والمخاطرة في آنٍ واحد.

 

ومع دخول الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة إلى قلب الاقتصاد العالمي، عادت الفضة إلى صدارة المشهد الصناعي. تُستخدم اليوم في صناعة الشرائح الدقيقة، وأجهزة الاستشعار الطبية، وأنظمة الاتصالات، وحتى في أبحاث الفضاء.

 

 

 

 

وفي عام 2025، تجاوزت الفضة حاجز 50 دولاراً للأونصة، وهو مستوى لم تعرفه منذ الثمانينيات، لم يكن ذلك مجرد موجة مضاربة، بل نتاج تفاعلٍ بين الطلب الصناعي المتنامي واختلال الإمدادات العالمية، إذ يُستخرج معظمها كمُنتج جانبي لمعادن أخرى، ما يجعل عرضها بطيء الاستجابة للسوق.

وارتفعت الفضة بنحو 70% هذا العام، بعد أن اجتاز سعرها عتبة 50 دولاراً للأونصة لتتداول حتى منتصف أكتوبر 2025 قرب 52 دولاراً للأونصة، وهو أعلى مستوى صعودي لها منذ الثمانينيات.

وكانت الفضة تجاوزت 40 دولاراً للأونصة الواحدة لأول مرة في تاريخها عام 1980م، لشهر واحد قبل أن تهبط إلى 3.51 دولار، لتبقى عند هذا القاع حتى 1993م عندما عاودت الصعود التدريجي البطيء، حتى وصلت فوق 40 دولاراً في 2011 لشهرين تلاهما هبوط حاد، مع عودة وجيزة فوق 40 دولاراً بعد شهرين، قبل أن تهبط إلى قاع 11.73 دولار في عام 2020م.

وقُدّر حجم سوق الفضة العالمية في نهاية 2024م بـ 87.12 مليار دولار أمريكي، وسط توقعات أن ينمو سوقها في 2025 إلى 95.20 مليار دولار أمريكي، وعلى المدى الطويل يتوقع أن يصل حجم سوق الفضة إلى 202.07 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.86%، غير أن هذه التوقعات ليست دقيقة، إذا ما قورنت بالقفزة التي حققتها الفضة منذ مطلع العام الحالي.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

ألوية الدعم والإسناد تكشف تفاصيل مواجهة هجوم إرهابي على قواتها في أبين

حشد نت | 694 قراءة 

قيادي بالإنتقالي يفجرها مدوية: أزمات عدن المفتعلة تستهدف هذا الشخص

كريتر سكاي | 625 قراءة 

بعد اختطاف موظفين أمميين.. الحوثيون ينهبون غرفة العمليات الأمنية للأمم المتحدة

حشد نت | 535 قراءة 

مشاهد لحشود عسكرية في اليمن تُنذر بتصعيد وشيك.. ما حقيقتها؟

الوطن العدنية | 469 قراءة 

وزير الدفاع يترأس اجتماعًا أمنيًا موسعًا في تعز لمتابعة الوضع العسكري والأمني

حشد نت | 434 قراءة 

تقرير | الإفقار والتجويع.. سياسة حوثية ممنهجة لإخضاع اليمنيين تُعيد شبح الجوع إلى كل بيت يمني

بران برس | 431 قراءة 

القبض على امرأة ضمن عصابة ابتزاز في تعز ومفاجأة بشأن مهنتها وطريقة استدراج الضحايا

المشهد اليمني | 419 قراءة 

مقتل وإصابة 18 جندياً في حصيلة أولية لانفجار سيارة مفخخة استهدف مجمعاً حكومياً شرقي أبين

بران برس | 406 قراءة 

هجوم دموي للقاعدة على مقر اللواء الأول دعم وإسناد في أبين.. والقوات تحبطه بعد معركة شرسة (صور+ فيديوهات)

يني يمن | 381 قراءة 

عاجل:الكشف عن عدد شهداء تفجير ابين واخر المستجدات(اسماء)

كريتر سكاي | 315 قراءة