شرعية الفنادق وخيانة الخنادق: حين تسقط الدولة في اختبار الكرامة
قبل 1 دقيقة
لم تعد أزمة الشرعية اليمنية مجرد خللٍ في الأداء السياسي أو ضعفٍ في البنية المؤسسية، بل أصبحت أزمة وجودٍ وكرامة تهدد الكيان نفسه الذي يُفترض أنه يمثل الدولة اليمنية أمام المجتمع الدولي. فالشرعية التي كانت يومًا ما رمز الأمل في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، تحولت اليوم إلى عنوانٍ للخذلان وفقدان البوصلة، بعد أن غابت عنها روح الفعل وتحولت إلى واجهةٍ شكلية لدولةٍ لم تعد قائمة إلا في البيانات الرسمية والشاشات الفضائية.
الزيارة الأخيرة للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى الرياض كانت كاشفة لحقيقة هذا الانحدار. فالرجل عقد سلسلة من اللقاءات المهمة، التقى خلالها السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، والسفير الإماراتي لدى اليمن محمد الزعابي، بالإضافة إلى سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (P5)، وأعضاء آخرين من المجتمع الدبلوماسي الدولي. التقى الجميع، من الفاعلين الإقليميين إلى القوى الدولية، لكنه تجاهل الشرعية اليمنية تمامًا، وكأنها لم تعد موجودة أصلًا.
ولم يكن هذا التجاهل سهوًا بروتوكوليًا أو خللًا في جدول اللقاءات، بل صفعة سياسية مدوية تحمل رسالة واضحة: "الشرعية خارج الحسابات".
لكن الصدمة الحقيقية لم تكن في موقف المبعوث، بل في صمت الشرعية المخزي إزاء هذا التجاهل. لم يصدر عنها أي احتجاج أو توضيح، ولم تحاول حتى حفظ ماء وجهها ببيانٍ مقتضب. هذا الصمت لا يمكن تفسيره إلا كـ اعتراف ضمني بفقدان الثقة بالنفس وبالموقع. فكيف لحكومةٍ تمثل اليمن في الأمم المتحدة أن تمرّ على مثل هذه الإهانة دون موقفٍ أو ردّ؟
لقد تجاوز المبعوث الأممي دوره كوسيطٍ محايد، وتصرف كـ فاعلٍ سياسيٍ منحاز، يساوي بين الضحية والجلاد، ويتعامل مع الحوثيين — المصنَّفين جماعةً إرهابية في قوانين دولية — كطرفٍ طبيعي وشريك سلام، بينما يتجاهل الحكومة المعترف بها دوليًا. ومع ذلك، لم تجد الشرعية في هذا التجاوز ما يستحق المواجهة أو حتى الاستفهام، وكأنها تخلت طوعًا عن حقها في الدفاع عن مكانتها.
إن هذا الموقف يعكس انهيارًا مؤسسيًا وأخلاقيًا لا يقل خطورة عن الانقلاب نفسه. فالشرعية التي تخلّت عن الخنادق واختارت الفنادق، فقدت شرعيتها الأخلاقية قبل أن تفقد شرعيتها السياسية. ومن المؤسف أنها تحولت إلى سلطةٍ ردّ فعلٍ متأخر، بلا رؤية ولا تأثير، تعيش على هامش الأحداث وتراقب من بعيد مصير وطنٍ يتآكل كل يوم.
لقد بات المجتمع الدولي يتعامل مع هذه الشرعية كـ جسمٍ بلا فاعلية، مجرد إطار شكلي يُستدعى عند الحاجة لتوقيع بياناتٍ أو المشاركة في مشاوراتٍ لا تملك فيها قرارًا. فالمشهد السياسي يعاد رسمه من دونها، بل ضدها، بينما تكتفي بالصمت والانتظار في مقاعد المتفرجين.
إن تجاهل المبعوث الأممي للحكومة الشرعية ليس سوى نتيجة طبيعية لفقدانها التأثير السياسي والإرادة الوطنية. ومع استمرار هذا الأداء الباهت، تتسع هوة الثقة بينها وبين الداخل اليمني، الذي يرى فيها سلطةً غريبة عنه أكثر مما هي ممثلة له. أما المجتمع الدولي، فهو لا يحترم إلا من يفرض وجوده على الأرض، لا من يعيش على ذكريات الشرعية الماضية.
الأخطر من ذلك أن هذا النهج الأممي المائل نحو الحوثيين يكرّس واقعًا سياسيًا جديدًا، يمنح الانقلابيين شرعية الأمر الواقع تحت غطاء "السلام". ولو كان للشرعية موقفٌ صلب ومسؤول، لما تجرأ أحد على تجاوزها بهذا الشكل الفج.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news