مصرع محمد الغماري... رسالة مفخخة إلى عبدالملك الحوثي
يشكل مصرع محمد الغماري، رئيس أركان مليشيا الحوثيين وأحد أهم القادة العسكريين في بنية الجماعة، تطوراً لافتاً في مسار الصراع اليمني، ويحمل في طياته دلالات سياسية وعسكرية عميقة تتجاوز الحدث ذاته. فالرجل الذي يُوصف بأنه "العقل العسكري" للحوثيين، اغتيل في عملية دقيقة، رغم أنه كان من أكثر القادة تشدداً في الإجراءات الأمنية والتحركات السرّية.
اغتيال الغماري... كشف للموقع والقدرات
بحسب مصادر مطلعة، فإن العملية التي أودت بحياة الغماري لم تكن ضربة عشوائية، بل نتاج عمل استخباراتي معقّد ودقيق، الأمر الذي يثبت – وفقاً لتلك المصادر – أن الطيران الاسرائيلي يمتلك معلومات دقيقة عن مواقع القيادات الحوثية، بما في ذلك موقع زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي نفسه.
فإذا كانت الطائرات قد تمكنت من استهداف شخصية بهذا الثقل، وهي التي تُعتبر "العين التي ترى" داخل المؤسسة العسكرية الحوثية، فإن ذلك يعني أن عبدالملك الحوثي لم يعد في مأمن من الرصد أو الاستهداف، وأن "الخطوط الحمراء" السابقة باتت قابلة للاختراق.
دلالات التوقيت والرسالة السياسية
يأتي الاغتيال في توقيت بالغ الحساسية، مع تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد الحديث عن تحركات إسرائيلية تهدف إلى ضرب البنية القيادية للمليشيا الحوثية، ضمن استراتيجية أوسع لتحجيم نفوذ إيران ووكلائها في المنطقة.
وتشير تقارير متداولة إلى أن يوسف المداني وأبو علي الحاكم قد يكونان الهدفين التاليين ضمن سلسلة من العمليات النوعية التي تهدف إلى "تفريغ الرأس العسكري للحوثيين" قبل الوصول إلى عبدالملك الحوثي نفسه، في ما يمكن وصفه بـ"الضربة القاضية" المحتملة للمليشيا.
انعكاسات الاغتيال على توازنات القوة داخل الجماعة
يُعد الغماري من أبرز الشخصيات التي حافظت على تماسك المنظومة العسكرية للحوثيين خلال سنوات الحرب. فقد كان المسؤول عن توزيع المهام، وتنسيق الجبهات، وضبط ولاءات القادة الميدانيين. اغتياله يفتح الباب أمام فراغ قيادي صعب التعويض، ما قد يؤدي إلى تصدعات داخلية وصراعات نفوذ بين أجنحة الجماعة، خصوصاً بين التيار "العسكري الميداني" والتيار "العقائدي" المرتبط مباشرة بعبدالملك الحوثي.
ما وراء الحدث... بين الرسالة والتحذير
الرسالة التي يمكن قراءتها من هذا الاستهداف واضحة: لم يعد أحد داخل بنية الحوثيين بمنأى عن يد الاستهداف الجوي أو الاستخباراتي. كما أن العملية تمثل تحذيراً مباشراً لعبدالملك الحوثي بأن بقاؤه في الكهوف والملاجئ لا يعني نجاته، وأن ساعة "الحسم الأمني" قد تكون أقرب مما يتوقع.
في المقابل، قد تدفع هذه الضربة الحوثيين إلى تصعيد ميداني أو سياسي لإثبات الوجود ورد الاعتبار، سواء عبر جبهات البحر الأحمر أو من خلال هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة في اتجاهات إقليمية مختلفة.
خاتمة
إن مصرع محمد الغماري ليس مجرد حادث أمني أو عملية عسكرية محدودة، بل هو تحول نوعي في مسار الصراع مع الحوثيين، يكشف عن اختراق استخباراتي عميق، ويؤكد أن عبدالملك الحوثي نفسه أصبح في دائرة الاستهداف الفعلي.
المرحلة القادمة، وفق المؤشرات، قد تشهد تصعيداً غير مسبوق يستهدف تفكيك الهرم القيادي للجماعة، تمهيداً لإنهاء دورها العسكري والسياسي، في إطار صراع إقليمي تتشابك فيه حسابات اليمن والسعودية وإيران وإسرائيل على حد سواء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news