التوظيف السياسي للأحداث المأساوية في التاريخ السياسي الإسلامي (قميص عثمان ودم الحسين)
قبل 1 دقيقة
من يبحث في التاريخ السياسي الإسلامي سيجد أنه حافل بالكثير من الأحداث المأساوية والحروب والصراعات البينية، التي تسببت في إحداث حالة من التنافر والتباغض بين المسلمين، وجعلتهم ينقسمون إلى فرق ومذاهب وطوائف يكره بعضها بعضًا ويعادي بعضها بعضًا، بل ويُكفّر بعضها بعضًا. وكان الخلاف السياسي على تولي الخلافة بعد وفاة الرسول ﷺ هو البذرة الأولى لكل تلك الأحداث، التي تطورت مع مرور الأيام إلى خلاف عقائدي، بعد أن قام كل طرف سياسي باستغلال الدين الإسلامي لتقوية موقفه ودعم حجته، وتوظيف مآسي الأمة لتحقيق مصالحه السياسية وأطماعه السلطوية. كل ذلك كان له دور كبير في تصاعد وتيرة الخلافات وتنامي الأحقاد بين أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية، وصولًا إلى اللجوء للعنف والفوضى والتمرد والحرب بعد فشل كل الحلول والمفاوضات السلمية.
وكان التمرد السياسي والعسكري على الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه أول تمرد في التاريخ السياسي الإسلامي. المؤيدون لهذا التمرد يبررونه بتقاعس الخليفة عثمان عن كبح جماح أمرائه في الأمصار عن ممارسة الظلم والتعسف ضد الرعية، بينما الرافضون لذلك التمرد يبررون موقف الخليفة بأن أي عملية تغيير للأمراء تحتاج للمزيد من الوقت، وليس من السهل تنفيذها في وقت قصير استجابة لمجموعة من الثوار (المتمردين) الذين جعلوا موضوع تغيير الأمراء حجة ومبررًا للإجهاز على الخليفة وقتله بهدف الاستيلاء على الخلافة بالقوة والغلبة والقهر. أياً يكن الرأي الصائب، فإن ما تعرض له الخليفة عثمان من حصار وإيذاء معنوي وجسدي وقتل بأسلوب وحشي هو عمل إرهابي ومأساة فظيعة ومروعة، وهي أول حدث سياسي مأساوي في التاريخ السياسي الإسلامي.
أما اغتيال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو حدث مأساوي لكنه لا يصل إلى فداحة ومأساوية ما تعرض له الخليفة عثمان، لأنه يندرج ضمن الاغتيالات السياسية. وحقيقة الأمر أن لا مبرر لأي كان يعطي الحق للمتمردين على الخليفة عثمان للقيام بتلك الأعمال العدوانية وممارسة تلك الأساليب الوحشية والإرهابية ضده، مستغلين عدم امتلاكه لجيوش تحميه، وقيامهم بحصار رجل أعزل في منزله وترويع أهل بيته وحرمانهم من الماء والطعام، وصولًا إلى قتله وهو يقرأ القرآن الكريم لتسيل دماؤه الطاهرة فوق المصحف الشريف. ذلك ينزع عن أولئك المتمردين كل صفات المروءة والشهامة والرجولة وحتى العروبة، فتلك التصرفات لم تكن مألوفة عند العرب، وهو ما يؤكد أن أغلبية من قاموا بذلك التمرد العسكري ليسوا عربًا، بل من غير العرب حديثي الدخول في الإسلام.
في الحقيقة، لقد تعرض الخليفة عثمان رضي الله عنه للخيانة والتخاذل من أمرائه في الأمصار، الذين كانوا يمتلكون جيوشًا كبيرة قادرة على التحرك وإنقاذه وفك الحصار عنه، خصوصًا أن فترة الحصار استغرقت وقتًا كافيًا للتحرك، وفي مقدمتهم معاوية أمير الشام. لكن يبدو أن ذلك التخاذل كان (لغرض في نفس يعقوب)، فقد تمكن بني أمية بقيادة معاوية من توظيف ذلك الحدث المأساوي لصالحهم، حيث رفضوا مبايعة الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب بحجة المطالبة بقتلة الخليفة عثمان رضي الله عنه. وتطورت وسائل التوظيف السياسي لتلك المأساة حتى أجلست معاوية على كرسي الخلافة.
وليس ببعيد، مأساة الإمام الحسين رضي الله عنه في كربلاء، فقد استدعاه الطرف السياسي المعارض لبني أمية، المتمركز في العراق، ووعده قادة ذلك الطرف بالدعم والمدد وتجهيز الجيوش لمواجهة جيش يزيد بن معاوية. أياً تكن مبررات من استدعوا الإمام الحسين، إلا أن ذلك لا يبرر خذلانهم له والتخلي عنه، وتركه وحيدًا هو وأهل بيته ونفرٌ ممن كانوا معه في مواجهة غير متكافئة مع جيش يزيد الكثير العدد والعدة. وهناك من يذهب إلى أن ذلك الخذلان كان (لغرض في نفس يعقوب). أياً يكن الموقف، فإن ما قام به قادة جيش يزيد من فرض الحصار على الإمام الحسين وأهل بيته، وصولًا إلى استخدام وسائل وحشية وإرهابية في القتل والتنكيل ضد مجموعة من النساء والأطفال وقلة من الرجال، ينزع عنهم التدين والشهامة والمروءة والرجولة.
ليسجلوا أسماؤهم في صفحات التاريخ السوداء الملطخة بالخزي والعار، وليساهموا في تكوين ثاني مأساة سياسية مؤلمة ومحزنة في التاريخ السياسي الإسلامي. وبعد إنجلاء غبار تلك المأساة، لم يتردد معارضو بني أمية (شيعة الإمام علي) من استغلال تلك المأساة استغلالًا سياسيًا، كما فعل بني أمية مع مأساة الخليفة عثمان رضي الله عنه، حيث جعلوها قضية لتحريك الرأي العام وإثارة الحقد والنقمة ضد حكم بني أمية. وتحت شعار ثارات الحسين تمكنوا من إسقاط الخلافة الأموية وصولًا إلى الاستيلاء على الخلافة. ورغم التشابه الكبير بين المأساتين، إلا أن هناك فرقًا في توظيفهما؛ فمأساة الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه تم توظيفها بشكل مؤقت ومرحلي، انتهى بمجرد سيطرة بني أمية على الخلافة، بينما يتم توظيف مأساة الإمام الحسين رضي الله عنه بشكل دائم ومستمر ومتواصل حتى يومنا هذا، حيث كان ولا يزال وسيظل قادة المذهب الشيعي يوظفونها توظيفًا سياسيًا وسلطويًا وحتى عقائديًا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news