القَاتُ... خَيطُ السُرةِ الأخيرِ وشرعيّةِ الوجودِ المُطحون ... (زُربة اليمني)

     
صوت العاصمة             عدد المشاهدات : 68 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
القَاتُ... خَيطُ السُرةِ الأخيرِ وشرعيّةِ الوجودِ المُطحون  ... (زُربة اليمني)

فِيْ ممالك الروح اليمانية المتشظية، حيث تتساقط الذوات كأوراق الخريف وتتصدع جدران الأوطان تحت وطأة البارود، يرتفع القات لا كشجرة فحسب، بل كـفلسفة وملاذ وجودي أخير... إنها ليست مجرد أوراق تُعلك، بل هي مادة خام لتشكيل الهوية، وآخر خيط حريري يربط الذات بأرض فرّت منها كل المعاني.

وفي رحلة الانكسار الروحي، يصبح هذا الأخضر المُبهج هو النديم الذي لا يخون؛ فهو لا يتطلب عهوداً، ولا يخذل في ساعة الشدة. تكشف رواية "زُرْبة اليمني" لأحمد قاسم العريقي بعمق أن أعمق مستويات العلاقة هي تلك التي تبنيها الذات مع نفسها عبر وسيط القات... فالذات المنهكة التي هجرتها الكيانات الكبرى (من إنسان إلى وطن)، تستبدلها بـآخر رمزي يمكنها السيطرة عليه والتنبؤ به.

لقد تحول القات في هذا الوجدان المتعب إلى مِرساةٍ تمنع سفينة الذات من الغرق في العدم. كيف لا وهو "آخر خيط يربطه بالأرض"؟ هذا التعبير ليس مجازاً عابراً؛ إنه تصوير للقات بوصفه حبل السُّرّة الوجودي، الذي يغذي الكيان بالرسوخ في وجه فضاء لا نهائي من الفوضى والضياع... إن رفض التخلي عنه ليس جبناً، بل هو قرار البقاء، ورفضٌ للموت في زمنٍ كثرت فيه دواعي الفناء.

وعندما تصل الذات إلى أقصى درجات الانفصال عن المحيط، تمنح إرادتها طواعيةً لطقس ثابت. هذا التمسك بطقس ثابت يفرض نظاماً ذاتياً هو قلب المقاومة. ففي عالم انهار فيه القانون وضاعت فيه الخيارات، يجد المرء عزاءه في أن "لا يُريد لنفسه مصيراً غير المصير الذي اختاره القات". وكأن الذات قد تخلت عن عبء الاختيار البشري القاتل، وسلمت دفّة القيادة لـمُحَدِّدٍ أخضر لا يخذل، في محاولة لإثبات وجودها عبر التشبث بهذه المادة الملموسة المضمونة.

إن هذا التماهي العميق يفضي إلى ولادة ما يمكن تسميته "المقاومة الوجودية". ففي اللحظة التي يرتفع فيها صوت الوعيد الصامد: "ما دام القات موجوداً، ستبقى الروح مقاومة"، ندرك أن القات لم يعد مُهدراً للمال أو الوقت، بل أصبح مصدر الطاقة الروحي الذي يغذي الصمود في وجه اليأس الكاسح.

وبهذا، تقدم الرواية رؤية عميقة للقات بوصفه أداة للمقاومة السلبية-الوجودية النبيلة؛ حيث لا تنتصر الذات على الدمار عبر تغيير العالم العاصف خارج النافذة، بل عبر إعادة اختراع عالمها الداخلي وتأثيثه بـشرعية وجودية مستمدة من قوة الصمود. إنها الرواية التي حوّلت هذه العادة المثيرة للجدل إلى أيقونة سردية خالدة لروح الشعب اليمني الذي يرفض أن يُهزم، حتى ولو كان ثمن هذا الانتصار هو رهن مصيره لـ"صديقه الأخضر".

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الحوثيون يختارون ”شخصية بريطانية” لرئاسة حكومتهم بصنعاء خلفا للرهوي!

المشهد اليمني | 766 قراءة 

موظفو الدولة أول ضحايا قرار الحوثيين بإلغاء البطاقة الشخصية

المنتصف نت | 545 قراءة 

عمدة نيويورك يستفز اليمنيين ويثير غضبهم بهذه العبارة

المشهد اليمني | 469 قراءة 

ترامب ينتقم لعيدروس الزبيدي! .. حادثة تهز العالم

المشهد اليمني | 453 قراءة 

فيديو | “نموت ولا أحد يتدخل”.. كاميرا “بران برس” تزور اعتصام جرحى الجيش اليمني في مأرب وتنقل معاناتهم ومطالبهم

بران برس | 388 قراءة 

مرشح بريطاني من أصول الضالع لرئاسة الحكومة

كريتر سكاي | 351 قراءة 

عاجل : قبائل الصبيحة تحدد موقفها من التحشيدات العسكرية في راس العارة

كريتر سكاي | 337 قراءة 

محمد بن زايد ورئيس الوزراء البريطاني يؤكدان أهمية حل الدولتين

عدن تايم | 334 قراءة 

تغطية خاصة | سلطات تعز تؤبّن “افتهان المشهري”.. وأسرتها تؤكد لـ“بران برس” رفضها تسييس القضية

بران برس | 268 قراءة 

خطر قادم من الصومال... وزير الدفاع يفجر مفاجأة أمام الملحق البريطاني ويكشف عن «التحالف الأخطر» الذي يهدد الملاحة

جنوب العرب | 247 قراءة