من جبال ردفان إلى ميادين صنعاء .. ثورات اليمن لا تموت
قبل 26 دقيقة
في الذاكرة اليمنية، لا تُذكر ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني إلا مقرونة بالشموخ، والإصرار، والإيمان العميق بحق الشعب في التحرر. يومها، خرج الثوار من ردفان الأبية ليقولوا كلمتهم في وجه الاحتلال، وليعلنوا أن اليمن لا تقبل الضيم، ولا تنحني للطغيان.
واليوم، وبعد عقود، يتكرر المشهد بصيغة جديدة، عدوٌّ جديد بلباس داخلي، يحمل راية الإمامة بثوب طائفي دخيل على نسيج المجتمع اليمني، جاء لينقض ما بناه اليمنيون طوال عقود الجمهورية.
وفي وجه هذا الطغيان الحوثي، وقف الزعيم علي عبدالله صالح ذات يوم، ليُطلق شرارة ثورة جديدة، ثورة داخل الجمهورية ذاتها، ضد الكهنوت الذي أراد أن يعيد اليمن إلى عصور السلالات، والحكم الوراثي، وتقسيم الشعب إلى "سادة" و"خدم".
صالح، بما له وما عليه، اتخذ القرار الأصعب، أن يواجه المليشيا التي غدرت به وأرادت أن تستولي على الدولة باسم الحق الإلهي. ثورته ضد الحوثيين لم تكن مجرد انتفاضة سياسية، بل كانت استكمالًا طبيعيًا لمسار جمهوري بدأه اليمنيون منذ 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
ورغم استشهاده، لم تمت ثورته، بل تحولت إلى شرارة في صدور الأحرار، وصارت دمًا جديدًا في عروق اليمنيين الذين رفضوا أن تحكمهم العمائم المدعومة من إيران. وما المقاومة الوطنية في المخاء والمناطق الأخرى إلا امتداد لتلك اللحظة التاريخية التي قرر فيها صالح أن يواجه.
اليوم، ونحن نستذكر ثورة 14 أكتوبر، لا يمكن أن نغفل عن الثورة المستمرة ضد الحوثي. فكما واجه اليمنيون جيوش الاحتلال الإنجليزي، يواجهون اليوم جيوش الانقلاب، بعزيمة لا تلين، وبإيمان لا يتراجع.
وإن كان التاريخ قد خلد أسماء مثل لبوزة وراجح لبوزة وعبدالفتاح إسماعيل، فإن المعركة الحالية ستخلد أيضًا آلاف الأبطال الذين استشهدوا وهم يرفضون العودة إلى الكهنوت، ممن فجروا صرخاتهم في وجه الغطرسة الحوثية.
إن اليمن التي أنجبت ثوار أكتوبر بالأمس، لا تزال تنجبهم اليوم. والزعيم الذي أشعل جذوة الثورة ضد الحوثي ترك وراءه مواقف تلهب الشارع، وتمنح الشرعية الأخلاقية والسياسية لكل من يقاوم هذا المشروع الإمامي السلالي.
الرسالة التي يجب أن تُفهم اليوم: الإمامة لا مستقبل لها في اليمن، كما لم يكن للاستعمار مستقبل في الجنوب. واليمن التي قاومت الطغيان الخارجي، لن تسكت على الطغيان الداخلي.
من ثورة أكتوبر إلى انتفاضة ديسمبر، ومن دماء الثوار في ردفان إلى دماء الشهداء في صنعاء، التاريخ يعيد نفسه. لكن البوصلة ثابتة: لا مكان للاستبداد، لا خارجيًا ولا داخليًا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news