لا يتوقّع الخبراء البحريون والعاملون في قطاع الشحن عودة الناقلات البحرية إلى البحر الأحمر في أيّ وقتٍ قريب، رغم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال (آلان ميرفي)، المؤسّس والرئيس التنفيذي لشركة سي-إنتليجنس، إنّ «المرحلة ما زالت مبكرة جدًا. لقد برّر الحوثيون في اليمن هجماتهم على السفن الدولية بأنها ردّ على الحرب بين إسرائيل وحماس، لكن لا توجد أيّ ضمانات بأن وقف إطلاق النار الأخير بينهما سيكون دائمًا، أو أنه سيؤدي إلى إنهاء الصراع في غزة»، على حدّ قوله.
وقد مرّ 690 يومًا منذ أن بدأ الحوثيون شنّ هجماتهم على السفن المبحرة في البحر الأحمر، ولم يوافقوا حتى الآن على أيّ وقفٍ لإطلاق النار.
وأشار (لارس ينسن) من شركة فيسبوتشي ماريتايم، في منشورٍ على منصة «لينكدإن»، إلى أنّه «على الرغم من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، إلا أن الحوثيين لن يبدؤوا وقفًا لإطلاق النار في الوقت الراهن. وقد صرّح زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، بأن استهداف المسارات البحرية الإسرائيلية سيستمرّ حتى — على حدّ قوله — يتوقّف العدوان على غزة ويُرفع الحصار الجائر عنها بالكامل».
وقال ميرفي إن الحوثيين قد لا يعتبرون وقف إطلاق النار الحالي ملبّيًا لمطالبهم، مضيفًا أنهم «قد يشترطون الاعتراف الكامل بدولة فلسطينية كشرطٍ لوقف الهجمات، وهو مطلبٌ معقّد وصعب التحقيق».
وأوضح أن هناك «الكثير من القطع المعقّدة في هذا اللغز الجيوسياسي» التي ينبغي أن تتكامل قبل أن تتمكن شركات الشحن العالمية من تبرير تعريض طواقمها للخطر عند الإبحار عبر البحر الأحمر، رغم ما يوفّره هذا المسار من وقتٍ وتكاليف.
وأضاف ميرفي: «هذه قطعٌ جيوسياسية خارجة عن سيطرة شركات الشحن. ومن المرجّح أن تطلب هذه الشركات ضماناتٍ قوية جدًا من الحوثيين بعدم شنّ مزيدٍ من الهجمات، إضافةً إلى تعزيز الدعم الأمني من القوات الغربية، قبل أن تفكّر حتى في العودة إلى المرور عبر قناة السويس، وهذان الأمران كلاهما صعب المنال».
وأشار ميرفي إلى أنّ شبكات الشحن البحري العالمية معقّدة للغاية، وهي – على حدّ تعبيره – «أنظمة ضخمة وبطيئة الحركة يصعب تغيير مسارها بسهولة».
فعلى سبيل المثال، إن إعادة خدمةٍ أسبوعية واحدة فقط إلى مسار قناة السويس تتطلّب 14 سفينة في رحلةٍ ذهابًا وإيابًا تستغرق 98 يومًا، منها 12 سفينة يُعاد توجيهها عبر السويس، فيما تُستبعد السفينتان الأخيرتان من الخدمة مؤقتًا، كما أوضح ميرفي.
وقال: «مثل هذه العمليات تستغرق عدة أشهر للتنفيذ، ولا تُتّخذ قراراتها بسهولة، خصوصًا إذا كان هناك خطرٌ حقيقي في الاضطرار إلى التراجع والعودة إلى المسار حول أفريقيا في حال استؤنفت الهجمات في البحر الأحمر».
وأضاف أنه بمجرد أن تقرّر شركات النقل البحري العودة للعبور عبر البحر الأحمر، فمن المتوقع أن تظهر اختناقات في الموانئ، لأن السفن التي تسلك المسار الأقصر عبر البحر الأحمر وقناة السويس ستصل إلى موانئ أوروبا وآسيا في الوقت نفسه تقريبًا مع السفن التي أبحرت حول رأس القرن الأفريقي.
وعندما تسمح الظروف باستئناف العبور عبر البحر الأحمر، أوضح ميرفي أن الخيار الأكثر منطقية هو أن تعود التحالفات البحرية العالمية الثلاث الكبرى – وهي تحالف بريميير (Premier Alliance)، وتحالف أوشن (Ocean Alliance)، وتحالف جيميني (Gemini) – إضافةً إلى أكبر شركة شحن بحري في العالم MSC، إلى مسار قناة السويس على مراحل منفصلة.
وختم بالقول: «عندها فقط يمكن أن يكون الوضع قابلاً للإدارة، ولكن بالنظر إلى طبيعة التنافس المعقّد الذي يشبه معضلة السجين، فمن المرجّح أن نشهد اندفاع هذه الشركات جميعًا للعودة إلى مسار السويس في أوقاتٍ متقاربة».
وفي أسوأ السيناريوهات المحتملة، قد يستمرّ الازدحام في الموانئ لعدة أشهر، ومع تفاقم الاختناقات وتباطؤ حركة الشحن إلى حدٍّ شبه متجمّد، ستعلق السفن خارج الموانئ، مما سيتسبّب في اضطراباتٍ متسلسلة وإلغاء رحلاتٍ بحرية مقرّرة.
وقال ميرفي: «إذا شهدنا تحوّلًا متزامنًا تقريبًا نحو مسار قناة السويس من قِبَل التحالفات البحرية الثلاث الكبرى وشركة MSC، فمن المرجّح أن نرى ازدحامًا واضطراباتٍ تستمرّ ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، وقد تمتدّ إلى أربعة أو ستة أشهر».
وأوضح أن ازدحام الموانئ سيُحدث نقصًا اصطناعيًا في السفن، لأنها لن تكون متاحة لتحميل بضائع إضافية، مضيفًا: «من المحتمل أن تمتدّ آثار هذه الأزمة إلى جميع خطوط التجارة البحرية العابرة للمحيطات».
كما سيؤدي هذا الوضع إلى ارتفاعٍ حاد في أسعار الشحن البحري، على غرار ما حدث في الأزمات السابقة، إذ قد ترتفع الأسعار الفورية من ثلاثة إلى خمسة أضعاف متوسطاتها الطويلة الأجل، بحسب تقديرات ميرفي.
وفي نهاية المطاف، قال ميرفي إن السفن الإضافية التي أُضيفت إلى الأسطول لتغطية الرحلات الأطول حول أفريقيا يُفترض أن تؤدي إلى انخفاض أسعار الشحن البحري، نظرًا لأن عدد السفن المتاحة سيتجاوز حجم الطلب بشكلٍ كبير.
وأوضح أن فائض الطاقة الاستيعابية للسفن قد يدفع أسعار الشحن إلى الانخفاض لتعود إلى مستويات عام 2023 أو أدنى منها، مضيفًا أن أقرب توقيتٍ يمكن فيه توقّع تحسّن في حالة الوفرة الزائدة للسفن سيكون بحلول عام 2028 على أقصى تقدير.
أمّا فيما يتعلق بالعودة الأولية إلى البحر الأحمر، فرأى ميرفي أن التقدير الأكثر واقعية هو أن تتزامن مع احتفالات رأس السنة الصينية أو “الأسبوع الذهبي”، لكنه استدرك قائلًا: «أعتقد أن من المبالغة في التفاؤل الافتراض بأن الأمور ستسير على نحوٍ يسمح بحدوث ذلك قبل رأس السنة الصينية لعام 2026، وربما يكون موعدًا أكثر ترجيحًا هو الأسبوع الذهبي في أكتوبر/تشرين الأول 2026».
وقال ميرفي إن أول تحالفٍ بحري — أو ربما شركة MSC — يعود إلى مسار قناة السويس سيحظى بميزةٍ مالية كبيرة مقارنةً بتلك الشركات التي تواصل الإبحار حول أفريقيا، نظرًا لقصر زمن العبور وتوفير كميات أكبر من الوقود.
وأضاف: «من المرجّح أن تكون الشركات الأكثر حماسةً للعودة إلى مسار السويس هي MSC وCMA CGM وZIM، وذلك بفضل قوتها السوقية الكبيرة في منطقة شرق البحر المتوسط، وهي السوق التي تضرّرت بشدّة جرّاء إغلاق مسار قناة السويس».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news