بالتزامن مع احتفالات العالم باليوم العالمي للصحة النفسية، أطلق ناشطون وإعلاميون وحقوقيون يمنيون حملة إلكترونية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم #أطفال_ينتحرون_بسبب_الحوثي، في حين كشفت مصادر حقوقية عن تصاعد مروّع في معدلات الانتحار خلال السنوات العشر الماضية، خصوصًا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب.
مؤسسة تمكين المرأة اليمنية، قالت في تقرير لها، إن العدد الإجمالي لحالات الانتحار التي شهدتها اليمن خلال 10 سنوات قدرت بين 13 و16 ألف حالة، وأن اليمن يسجل أكثر من 1,660 حالة انتحار سنويًا، بمعدل 5.2 حالات لكل 100 ألف نسمة، مشيرة إلى أن ارتفاع معدلات الانتحار خلال السنوات العشر الماضية يعود لعدة عوامل في مقدمتها الفقر والخوف والابتزاز.
وبحسب التقرير، الذي اطلع عليه "بران برس"، فإن 78% من حالات الانتحار وقعت في مناطق سيطرة الجماعة لحوثية المدعومة إيرانيًا، نتيجة القمع والفقر وانعدام الأمل، في حين أظهر أن الابتزاز الإلكتروني والعاطفي تسبب بما لا يقل عن 22% من حالات الانتحار بين النساء والفتيات، وهو ما اعتبرته المؤسسة "مؤشر خطير".
وأكدت المؤسسة أن هذه الحالات تمثل قمة جبل الجليد، وأن الحرب دفعت الآلاف إلى قتل أنفسهم تحت وطأة، محذرةً من أن الانتحار لم يعد فعلًا فرديًا بل نتيجة مباشرة للفقر والقهر وانهيار قيم الأمل، خيث أن 7 ملايين يمني يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الحرب، ما يجعل التدخل العاجل ضرورة إنسانية عاجلة.
جرائم صامتة
بالتزامن مع حلول اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يصادف العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، أطلق ناشطون وإعلاميون وحقوقيون يمنيون حملة إلكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #أطفال_ينتحرون_بسبب_الحوثي، الذي تصدر منصات التواصل خلال اليومين الماضيين.
الحملة الإلكترونية التي شهدتها منصتي (إكس وفيسبوك)، سلطت الضوء على الانتهاكات النفسية والاجتماعية التي تمارسها جماعة الحوثي بحق المواطنين، ولا سيما الأطفال في مناطق سيطرتها، ولاقت صدى كبيرًا بين اليمنيين داخل البلاد وخارجها.
وأكد القائمون على الحملة أن الهدف منها هو لفت أنظار العالم إلى ما وصفوه بـ "الجرائم النفسية الصامتة"، حيث يعيش آلاف الأطفال في بيئة قهر وحرمان وسوء معاملة، تسببت بظهور حالات انتحار مؤلمة في بعض المناطق الخاضعة للحوثيين.
كما شدد المشاركون على أن هذه الممارسات تركت آثارًا نفسية عميقة أدت إلى تزايد حالات الاكتئاب والانتحار بين القاصرين، محذرين من خطورة الانعكاسات النفسية للحرب الحوثية على المجتمع، معتبرين أن "الاحتلال النفسي" لا يقل فتكًا عن الرصاص أو الألغام.
وبيّنت الحملة أن الممارسات الحوثية حوّلت حياة اليمنيين إلى مأساة جماعية؛ فالأسر التي فقدت معيلها بسبب القتل أو السجن أصبحت تعيش تحت ضغوط نفسية هائلة، فيما وجد الكثير من التجار والموظفين أنفسهم فجأة بلا دخلٍ ولا منزلٍ ولا أمن، في ظل سياسة ممنهجة لتجويع الناس وكسر إرادتهم.
وأكد المشاركون أن ما يحدث في مناطق الحوثيين ليس مجرد أزمة سياسية، بل حرب شاملة على المجتمع اليمني، تدفع الأطفال إلى الانتحار، وتغرق الأمهات في الاكتئاب، وتزرع اليأس في نفوس الشباب، مشيرين إلى أن استمرار هذه الجرائم سيخلّف أجيالًا محطّمة نفسيًا ويهدد الأمن الإنساني في المنطقة والعالم.
شهادات ونماذج مؤلمة
الحملة، تضمنت ملصقات وبرشورات بالإضافة إلى صور عدد من حالات الانتحار التي شهدتها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مرفقة بتعليقات مؤلمة تصف واقع الطفولة في مناطق سيطرة الحوثي، مشيرين إلى أن الجماعة تعمل على تجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم بشعارات طائفية، فيما يُحرم آخرون من التعليم والرعاية الأساسية.
وشارك صحفيون وحقوقيون يمنيون شهادات موثقة عن حالات انتحار في صنعاء وذمار وإب، مشيرين إلى أن بعض الأطفال أقدموا على الانتحار بعد تعرضهم لضغوط اقتصادية أو اجتماعية بسبب الوضع المعيشي القاسي وانعدام الأمل.
وأرفق المغردون تدويناتهم بمقاطع فيديو وصورًا لمدارس مهدّمة وشوارع تعجّ بالمتسولين من الأطفال، مع تعليقات تتحدث عن "القتل البطيء" الذي يمارسه الحوثيون بحق الأجيال الجديدة، مؤكدين أن سياسات الحوثيين "خلقت بيئة مثالية لليأس والانتحار، إذ يعيش المواطنون وسط منازل مهدمة، ورواتب منهوبة، ومدن محاصرة، ومناهج تعليمية "مفخخة".
وجاء في إحدى التغريدات: "الحوثي لا يكتفي بقتل اليمنيين بالرصاص، بل يقتلهم بالتعذيب والتجويع والقهر والحرمان من أبسط مقومات الحياة. منازل مهدمة، رواتب منهوبة، مدن محاصرة، طرق مقطعة، ومناهج مفخخة… هكذا يصنع الحوثي بيئة تنتج الانتحار واليأس يوميًا".
تجنيد الأطفال وغسل العقول
وتناولت الحملة جانبًا آخر من الانتهاكات، يتمثل في تجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم عبر ما تُعرف بـ “الدورات الثقافية الحوثية”، التي تزرع فيهم مفاهيم العداء والكراهية.”وكتب أحد الناشطين:“في مناطق سيطرة الحوثي... الأطفال لا يرسمون أحلامهم كما يفعل غيرهم، بل يكتبون وصاياهم قبل أن تغادرهم الطفولة. يموتون جوعًا، ويُكسرون قهرًا، تذبل ملامحهم قبل أن يعرفوا معنى الحياة.”
مغرد يمني كتب: “الأطفال الذين التحقوا بالدورات الثقافية الحوثية يصابون باختلال نفسي ويُحوَّلون من أطفال طبيعيين إلى ممتلئين بالكراهية والعداء لمجتمعهم، حتى يصبح الموت خيارًا من أجل أيديولوجيا هشة".
ودعت الحملة المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية واليونيسف، إلى التدخل العاجل لإنقاذ الأطفال من دائرة الخوف والضياع النفسي، وإنشاء برامج دعم نفسي عاجلة في مناطق النزاع، وإدراج الصحة النفسية ضمن أولويات العمل الإنساني والإغاثي في اليمن، باعتبارها إحدى الضحايا المنسية للحرب التي تدخل عامها الحادي عشر.
وتأتي حملة #أطفال_ينتحرون_بسبب_الحوثي، كصرخة إنسانية تهدف إلى كسر حاجز الصمت حول معاناة الأطفال في اليمن، وتذكير العالم بأن الحرب لا تقتل بالألغام فقط، بل تقتل بالألم والخوف واليأس أيضًا.
ويرى ناشطون أن هذه الحملة ليست نهاية الطريق، بل خطوة أولى نحو بناء وعي مجتمعي ودولي يعترف بأن الشفاء من الحرب يبدأ من علاج النفس.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news