ضبط ثالث شحنة أسلحة خلال أسبوعين.. ما وراء إصرار إيران على إمداد الحوثيين؟
تواصل إيران، وبإصرار غريب، إمداد وكلائها الحوثيين في اليمن بشحنات أسلحة متنوعة، عبر عمليات تهريب متعددة المسارات والطرق ومتلاحقة التوقيت، ما يؤكد سعيها لتفجير الأوضاع في اليمن مجددًا، واستمرار استهداف الملاحة الدولية في المنطقة، إلى جانب تصدير الاضطرابات إلى الشرق الأوسط.
تهريب مكثف
في الآونة الأخيرة، كثّفت إيران من عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات إلى عصابة الحوثي، ذراعها الإرهابية في اليمن، حيث تم إحباط ثلاث شحنات أسلحة نوعية من قبل القوات اليمنية في أقل من أسبوعين، لترتفع عمليات إحباط تهريب شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين إلى سبع عمليات خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويرى مراقبون أن تلك العمليات تكشف مدى إصرار إيران على تزويد وكلائها في اليمن بالأسلحة لإبقاء الأوضاع متفجرة، بما يشكّل تهديدًا لإفشال محاولات التهدئة وإرسال رسائل مضادة للسلام، ليس في اليمن فقط، بل في لبنان وغزة والقرن الإفريقي وصولًا إلى السودان، التي وصلتها مؤخرًا شحنة أسلحة إيرانية عبر الحوثيين.
من المهرة إلى المخا
وخلال الفترة الأخيرة، تم ضبط شحنات أسلحة إيرانية متنوعة ومتعددة الاستخدام، آخرها ما تم ضبطه في منفذ صرفيت بمحافظة المهرة، وسبقها ضبط شحنة في رأس العارة بلحج، وأخرى في ميناء عدن، وقبلها في سواحل المخا غربي تعز.
فقد أعلنت مصلحة الجمارك التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها، السبت، ضبط شحنة أجهزة إلكترونية مزدوجة الاستخدام يمكن استعمالها في الطيران المسيّر والمتفجرات، وذلك في منفذ صرفيت الحدودي مع سلطنة عمان بمحافظة المهرة (شرق البلاد).
وأشارت المصلحة في بيان لها إلى أن موظفي جمرك صرفيت، بالتعاون مع الجهات الأمنية، تمكنوا من ضبط أكثر من 3000 قطعة إلكترونية تُستخدم في تصنيع الطيران المسيّر، شملت أكثر من 90 نوعًا من الأجهزة، منها أجهزة لحام الألياف الضوئية ولوحات برمجية وحساسات متنوعة وكابلات توصيل.
وتشهد المنافذ البرية والبحرية في المناطق المحررة خلال الأشهر القليلة الماضية نشاطًا متزايدًا في عمليات تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية الإيرانية، التي كانت في طريقها إلى عصابة الحوثي المصنفة إرهابية.
ففي 5 أكتوبر الجاري، أعلنت قوات الحملة الأمنية المشتركة بمديريات الصبيحة في محافظة لحج تمكنها من ضبط قارب على متنه معدات ومواد تُستخدم في تصنيع وتشغيل الطيران المسيّر، كانت في طريقها للحوثيين.
واحتوت الشحنة، التي وصفت بالكبيرة، على معدات ومواد حساسة خاصة بالطيران المسيّر، تضمنت كاميرات عالية الدقة مخصصة للاستطلاع والتصوير الجوي، وأجهزة اتصال لاسلكية، وأدوات تحكم عن بُعد ذات ترددات خاصة.
وجاء ذلك بعد أيام من ضبط شحنة أسلحة في ميناء عدن كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي، حيث أفادت مصادر أمنية، الخميس الماضي، أن الأجهزة الأمنية في ميناء الحاويات بمدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، ضبطت 58 حاوية شحن تجارية تحمل 2500 طن من الأسلحة والمعدات العسكرية كانت في طريقها إلى الحوثيين.
ولم تتوقف عمليات التهريب عند الأسلحة والمعدّات اللوجستية، بل امتدت إلى محاولة تمرير رافعات نقل حاويات السفن بهدف إيصالها إلى ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة الحوثيين، فضلًا عن تهريب طابعات حديثة مخصصة لطباعة العملات النقدية الورقية، تم ضبطها مؤخرًا في موانئ عدن، وفقًا لتقارير رسمية.
ومنذ منتصف العام الحالي، تمكنت القوات الحكومية من ضبط سبع شحنات مهرّبة في ميناء عدن ومحافظتي المهرة ولحج.
انعكاس لحالة الحوثيين
فسّر مسؤولون وخبراء اعتماد الحوثيين على مسارات بديلة لتأمين وصول الإمدادات العسكرية المهرّبة عبر مناطق نفوذ الحكومة الشرعية بأنه "انعكاس للتحديات الخانقة التي تواجهها الجماعة على المستوى اللوجستي".
وفي ظل الرقابة الدولية المشدّدة على وارداتهم في البحر الأحمر وتعطّل موانئ الحديدة جراء الغارات الأمريكية والإسرائيلية، كثّفت المليشيا من وتيرة عمليات التهريب عبر الموانئ والمنافذ الواقعة تحت سيطرة الحكومة، بأنماط وأساليب مختلفة ومتزايدة.
اختراقات مكشوفة
وبحسب مراقبين، فإنه في ظل انسداد مسارات التهريب التقليدية، تحاول عصابة الحوثي شراء بعض الذمم في مناطق الحكومة لتأمين وصول هذه الشحنات إليهم، غير أن اليقظة الأمنية والجهود المشتركة أسهمت في إفشال كثير من تلك العمليات المموّهة.
وأشاروا إلى أن سعي الحوثيين لتوسيع نشاط استيراد قطع الغيار والمعدات العسكرية بأساليب ملتوية، عبر طرق ومسارات مختلفة، ومحاولتهم إعادة تنشيط شبكاتهم القديمة، "يشير إلى حاجتهم الماسّة للوصول إلى مخزون أكبر من الأسلحة النوعية".
تصعيد متوقّع
ويرى المراقبون أن الإصرار على إرسال الأسلحة والمعدات المهرّبة إلى مناطق الحكومة الشرعية رغم إحباطها المتتالي "يُفسّر حجم الضغوط الإيرانية وتعويل طهران على الحوثيين في لعب دور أكبر ضمن مخططها المقبل"، لافتين إلى أن "كميات الأسلحة المرسلة مهولة، ولم يسبق لها مثيل حتى خلال الفترة التي سبقت انقلاب الحوثيين على الدولة اليمنية".
الاعتماد على إيران
وطبقًا لتقرير صادر الشهر الماضي عن "مركز بحوث مراقبة التسلح" البريطاني (CAR)، فإن الحوثيين لا يزالون يعتمدون على الدعم الخارجي الذي يصل معظمه في شحنات مهرّبة إلى اليمن، لتعزيز دفاعاتهم الجوية وتنفيذ العمليات العسكرية، بما فيها الهجمات على السفن.
وأشار التقرير إلى أن شحنة السلاح الكبيرة التي ضبطتها المقاومة الوطنية، بعد يومين فقط من وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، تحتوي على مكونات وأنظمة صاروخية تُعد من أحدث الطرازات الإيرانية، ولم يسبق رصدها في عمليات سابقة.
استراتيجية تضييق
وأرجع المراقبون لجوء إيران والحوثيين إلى التهريب عبر مناطق الشرعية إلى استغلال حالة التفاهم مع جماعة الإخوان المتغلغلة في بعض أجهزة الدولة، وهي استراتيجية "ليست جديدة لدى العصابة الحوثية، إذ اتبعتها منذ السنوات الأولى للحرب، بهدف تقليل المخاطر وتوسيع شبكة الإمداد بعيدًا عن نقاط المراقبة الدولية".
وأوضحوا أن الجديد في الفترة الأخيرة هو "تزايد اعتماد الحوثيين على المنافذ البرّية في المهرة والمناطق الساحلية الشرقية، بعد أن كبّدتهم الدوريات البحرية وجهود التحالف خسائر فادحة في البحر الأحمر، وضيّقت الخناق على طرق التهريب التقليدية القادمة من القرن الإفريقي وإيران".
وأكدوا أن اختيار الحوثيين للمنافذ والموانئ الحكومية، خصوصًا منافذ المهرة وسواحلها الواسعة، "لم يأتِ من فراغ، فهذه المناطق تتواجد فيها عناصر الإخوان، وتشهد ضعفًا نسبيًا في الرقابة وحركة تجارية نشطة ومعقدة يصعب ضبطها كليًا، ما يمنح المهرّبين فرصة أكبر للمناورة والتمويه".
ثغرات ضعف
ووفقًا للمراقبين، فإن سلوك الحوثيين "يكشف عن ثغرات أمنية ورقابية ناتجة عن ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية وتداخل صلاحياتها"، وهو ما تستغله الجماعة لضمان استمرار تدفق الأسلحة والمعدات رغم القيود الدولية.
كما أكدوا أن الضربات الدولية المتعددة التي تعرّض لها الحوثيون خلال الفترة الماضية، خاصة في صعدة وصنعاء وحجة وعمران، أضعفت قدرتهم على تصنيع وإعادة هيكلة الصواريخ والمسيّرات، "ومن ثم يحاولون الآن استيراد الأجهزة والمعدات التي تمكّنهم من ذلك".
وأشاروا إلى أن هذا النوع من مكونات الأسلحة النوعية كان يُهرّب داخل شحنات تجارية منذ استئناف النشاط في موانئ الحديدة بموجب الهدنة الأممية عام 2022، "لكن الآن هناك تحريز كبير لهذه المعدات، سواء كانت عسكرية أو شبه عسكرية أو حتى تجارية".
من الصين إلى السودان
تؤكد المعلومات أن الحوثيين باتوا يبحثون حاليًا عن أي مخرج يمكنهم من استعادة قوتهم التي تأثرت بالضربات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية، إذ يبحثون عن مراكز تهريب جديدة، بعضها عبر البضائع التجارية القادمة من الصين، إلى جانب استغلال الموانئ السودانية ودول جنوب القارة الأفريقية في تهريب الأسلحة الإيرانية إلى سواحل محافظتي الحديدة وحجة الواقعتين تحت سيطرتهم غربي اليمن.
وفيما يتعلق بحجم التأثير الذي تخلّفه ضغوط مكافحة التهريب المتزايدة على الصعيدين الدولي والمحلي، تشير المعلومات إلى أن ذلك لم يُحدث أضرارًا على قدرات الحوثيين العسكرية فحسب، بل أدى أيضًا إلى تقليص قدراتهم الجيوسياسية والمالية، "خاصة بعد توقف الكثير من عمليات التهريب التي تُموّلهم، سواء عن طريق تهريب المهاجرين الأفارقة أو عبر تجارة الممنوعات أو إدخال البضائع غير المجمركة لصالح كيانات تجارية مقربة منهم".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news