من شموخ جبال ردفان، حيث تعانق الصخور السحاب، انطلقت شرارة الثورة التي أضاءت سماء الجنوب اليمني، معلنةً عن فجر جديد يلوح في الأفق. في 14 أكتوبر 1963، لم تكن تلك مجرد طلقة انطلقت من بندقية الثائر الشهيد راجح بن غالب لبوزة، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن عهد الظلم والاستعمار البريطاني قد ولّى، وأن شمس الحرية لا بد أن تشرق .
لم يكن الطريق نحو الحرية مفروشًا بالورود. لقد واجه ثوار ردفان، الذين أطلقت عليهم القوات البريطانية لقب "الذئاب الحمر" لشدة بأسهم وشجاعتهم الفائقة في القتال بين الشعاب والوديان، إمبراطورية قيل إن الشمس لا تغيب عن ممتلكاتها. لقد كان لقبًا أريد به بث الرعب، لكنه تحول إلى وسام شرف، يروي حكاية رجال آمنوا بحقهم في أرضهم، فصنعوا من الصخر متراسًا ومن الإيمان سلاحًا.
طيلة أربع سنوات من الكفاح المسلح، ذاق أهالي ردفان الأمرين. لم ترحمهم طائرات "الهوكر هنتر" البريطانية التي صبّت حممها على قراهم الآمنة، فدُمرت المنازل، وشُردت الأسر، وعانى الأطفال والنساء قسوة الجوع والعطش والتشرد في الكهوف والجبال. لكن مع كل قذيفة، كانت عزيمتهم تزداد صلابة، وإيمانهم بالنصر يترسخ. صمدوا صمود الجبال الراسيات، وأثبتوا للعالم أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من أعتى ترسانات السلاح. وكان النصر حليفهم في 30 نوفمبر 1967، يوم أُجبر آخر جندي بريطاني على الرحيل، ورُفع علم الاستقلال الوطني خفاقًا.
إن قصة ردفان ليست مجرد حدث في صفحات التاريخ، بل هي روح متجددة تتوارثها الأجيال. فكما قاوم الأجداد الغزو الأجنبي، هبّ الأحفاد للدفاع عن أرضهم وكرامتهم في وجه الغزو الشمالي القادم من اليمن. لقد أعاد التاريخ نفسه، ومرة أخرى، كانت ردفان في قلب المعركة، تقدم التضحيات وتلهم الأجيال.
ولا يمكن أن ننسى شهداء منصة ردفان في عام 2007، أولئك الأبطال الذين سقطوا برصاص الغدر وهم يحيون ذكرى ثورتهم سلميًا. دماؤهم الزكية لم تذهب هباءً، بل روت شجرة الثورة من جديد، وأصبحت ذكراهم التي نحييها بعد غدا في ذكرى الاستشهاد الثامن عشر ، جزءًا لا يتجزأ من ملحمة أكتوبر الكبرى. إنه تاريخ يتكرر، ليؤكد أن ردفان هي مدرسة النضال التي لا تنضب.
اليوم، ونحن نحيي الذكرى الخالدة لثورة 14 أكتوبر، نتوجه بقلوبنا وأرواحنا صوب مدينة الضالع الصامدة. إن احتفالنا هناك يحمل دلالات عميقة؛ فالضالع التي لقّنت ميليشيات الحوثي الإرهابية دروسًا في البطولة وقدمت صمودًا أسطوريًا، تجسد اليوم روح أكتوبر وقيم التضحية والفداء. الاحتفال في الضالع يضفي على هذه الذكرى طابعًا ثوريًا ونضاليًا فريدًا، ويرسل رسالة واضحة بأن جذوة النضال لم ولن تنطفئ.
إن إحياء هذه الذكرى في الضالع أو حضرموت أو أي بقعة من أرض الجنوب، هو تأكيد على أن ثورة ردفان لم تكن ثورة منطقة، بل هي ثورة وطن بأكمله. روحها تسري في عروق كل جنوبي، من باب المندب إلى المهرة.
لذا، ندعو كل أبناء الجنوب الأحرار، رجالًا ونساءً، شيبًا وشبابًا، إلى التوجه صوب مدينة الضالع الباسلة، لنقف صفًا واحدًا، ونعلي صوتنا للعالم بأننا على درب الشهداء سائرون، وأن الأهداف التي ضحى من أجلها راجح لبوزة ورفاقه لا تزال حية فينا، وأننا لن نتخلى عن حقنا في استعادة دولتنا الحرة والمستقلة.
فلتكن هذه الذكرى وقودًا جديدًا لعزيمتنا، ولنجعل من هذا اليوم تجسيدًا لعزتنا وصلابتنا، ولنثبت للعالم أجمع أن شعب الجنوب، الذي قهر أكبر إمبراطورية في التاريخ، قادر اليوم على تحقيق حلمه وبناء مستقبله.
المجد والخلود لشهداء ثورة 14 أكتوبر وكل شهداء الجنوب الأبرار.
والنصر لشعبنا الجنوبي العظيم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news