لم يعد تصريح الزبيدي بخصوص ضم تعز ومأرب في التوقيت هذا مجرد تكتيكات كما احتسبها البعض واعتبرها بمثابة مناورة سياسية غرضها تحريك المياه الراكدة للدفع بما تبقى من مناطق الشمال نحو الخروج من تحت قبضة الحوثين، بما يحقق السلام ويؤول في النهاية لإيجاد مناخ يتلاءهم مع حوار يفضي لاستعادة الدولة الجنوبية، ولكنها رؤية ذا ابعاد سياسية ثابتة تندرج ضمن استراتيجية معقدة ومعدة من قبل التحالف سلفا، من اهدافها جعل في إطالة أمد الصراع سبيل أمثل لإيجاد مشهد يصحصح مسار الوحدة لعام ٩٠م ويخلّص البلاد من أزماتها المتلاحقة، وبأسلوب مختلف يستند لمحددات الصراع ذاته، وما فرضته الوقائع والأحداث على الأرض.
فلا يمكن لنا نحسب الطرح من باب العاطفة الدينية والتقارب الثقافي والاجتماعي، لكون من غير المحافظتين المذكورتين يوجد أخريات تعتنق أيضًا المذهب الشافعي ذاته، وليس من العدل والعقل أن تترك فريسة يعبث بها الحوثيين، ولن ينعم الجنوب بالاستقرار والأمن معها على ضوء التداخل الاجتماعي المباشر لسكانها وسكان تلك مع بعضهم البعض!.
وإذا كان القيام بضم أجزاء لا تعد ضمن نطاق جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التاريخية، يضر بالثوابت الجنوبية ويضعف الموقف المطالب أمام الشرعية الدولية باستعادة دولتها؛ بل ويضرب مشروعيتها في الصميم.. فما الذي يحفّز الرجل ويجبره على فعل ذلك؟
وبالرجوع إلى مؤتمر الرياض التشاوري وبالنظر لتركيبة مكون الشمال في المجلس الرئاسي، سنجد ثلاثة أرباع منه ينتسب لمحافظات سنيّة هامة ومحورية عداه رابعهم (طارق صالح ) من تعود أصوله لصنعاء ذات المذهب الزيدي، ولكنه عن طريق تقاربه مع اقرانه بالاستيطان في مديرية المخا وعصرنتها بما يتفق مع الظرف وما فرضته الحرب والمرحلة، وبحكم الأمر الواقع وما يقدمه لمواطنيها من خدمات وعلى المدة الزمنية التي يقضيها صار كأنّه يحتسب وجيشه جزءًا لا يتجزى منها. ومن هنا يبدو للعيان يظهر جانب كبير لما وراء أكمة تلك التصريح والرؤية.. وذلك بهدف منح المجلس الرئاسى مجتمعًا بطاقة عبور إلى الحوار مقابل الحوثيين الذي ترعاه وتشرف عليه المملكة العربية السعودية بطريقة غير مباشرة، وبدون مواربة لطرف تدأب من قبل قيامه لتوحيد صف الفصيلين في كتلة واحدة، ظاهرًا من باب تقارب العقيدة والإجماع الوطني في وجه الانقلاب، وباطنًا من باب الجغرافيا وما صاروا يقبضوا عليه من مناطق متاخمة لبعضها، وينتموا إليه من حواضن وقواعد حزبية وقبلية.
ليصبح بهذا الشكل مشروعًا كهذا مؤشر إيجابي سيوفرّ الجهد على الانتقالي باعتباره الحامل للقضية الجنوبية، ويكفيه شر الخلاف وموقف الضد من أي حوار سيتحمّل حال تعطيله تبعاته ويحسب كمتمرد أمام المجتمع الدولي، هذا من ناحية، ومن الناحية أخرى سيوحّد عليه خصومة ويضعه في مكان لا يحسد عليه.
فمسألة تحقيق السلام وطرد الحوثيين من صنعاء بالقوة، يمكن تكون آخر الخيارات المطروحة على طاولة التحالف العربي ويتحاشى الأخذ بها، وذلك لسبب بسيط وهو لأن شرعية ثورة فبراير ٢٠١١م بمرجعياتها الثلاث المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومؤتمر الحوار الوطني صنعاء ٢٠١٤م، وقرار مجلس الأمن ٢٢١٦ بهذا الشأن، مازالت في نظر المجتمع الدولي وإن لم تطغى عليها شرعية أخرى هي قائمة، وما يهمنا فيها هي اسقاطاتها المحتملة على الجنوب حال تحرير ما تبقّى من مناطق الشمال ليفتح الباب أمام النظام القبلي والعسكري المتصلب للعودة مرة ثانية ، وتاليه لما لها من مخرجات نفر منها الجنوبين في حينها مرتأينها ما سوى محاولة تكريس الطرف القادم للسلطة والمسيطر على مقاليدها آنذاك نفس الهيمنة والواقع السياسي لأسلافه ولكن بأسلوب مختلف، وهذا الذي لا يحسب حسابه الشارع الواقف خلف الانتقالي، ومازال يمارس الضغوط على صناع قراره ويمنعهم من تغير نمط أساليبهم التقليدية واللجوء إلى طرق ورؤى جديدة تتفق مع المصلحة العامة للجنوب وأهداف المحيط الإقليمي، ليفوّت بكذا الفرصة على المتربصين من إضرام النار بالمكتسبات التي تحققت من وراء تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبفضل تضحيات الرجال الجسام والدماء الغزيرة التي سالت على طول وعرض البلاد، بما ينتج عنه لاسمح الله العودة بالمشروع الجنوبي لنقطة البداية.... وهذا ما يجب عنده أن نقف إجلالًا وإكبارًا لرؤية كهذه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news