في زوايا مدينة دار سعد، حيث تختلط رائحة التراب بذاكرة النضال، وُلد أحمد عمر التريس، لا كطفل عادي، بل كحكاية بدأت تكتب نفسها منذ اللحظة الأولى .. لم يكن مجرد اسم في سجل المواليد، بل نواة لرحلة طويلة من الكفاح، حمل فيها الجنوب على كتفيه، ومضى متحدياً كل ما يمكن أن يثني عزيمة الأحرار.
نشأ التريس في بيئة مشبعة بالكرامة حيث كانت الحكايات تُروى عن رجالٍ وقفوا في وجه الظلم، وعن نساءٍ غزلن الصبر على نول المعاناة.
ومنذ نعومة أظافره، كان يرى في النضال أكثر من واجب كان يرى فيه قدرا لا يرد، ومسارا لا يُحيد عنه. لم يكن يبحث عن مجد شخصي، بل عن وطن يُعيد له التاريخ ما سُلب منه، ويمنح لأبنائه الحق في أن يحلموا دون خوف.
في عام 2007، حين اشتعلت شرارة الحراك الجنوبي، كان أحمد في الصفوف الأولى، لا يحمل سلاحا، بل يحمل الكلمة، ويؤمن أن الصوت الحر أقوى من الرصاص. وقف في الساحات، يهتف للحرية، ويكتب على الجدران ما لا تجرؤ الصحف على نشره. كان وجها مألوفا في كل مظاهرة، وصوتا لا يهدأ في كل نداء.
لكن طريق النضال لم يكن مفروشا بالورود. تعرض أحمد للاعتقال، ذاق مرارة الزنازين، وتحمّل قسوة التحقيقات، لكنه لم ينكسر. بل خرج من كل تجربة أكثر صلابة، وأكثر إيمانًا بأن الحرية لا تُمنح، بل تنتزع.
في السجن، كتب احمد التريس على جدرانه قصائد المقاومة، وحوّل الألم إلى وقودٍ يُشعل به شعلة الأمل في قلوب الآخرين.
لم يكن أحمد التريس من أولئك الذين يكتفون بالكلمات، بل كان دائم الحضور في ميادين الكفاح، يشارك في تنظيم الفعاليات، ويقف إلى جانب الشباب، يزرع فيهم روح التحدي، ويُذكّرهم أن الجنوب لن يُنسى، وأن النضال هو الطريق الوحيد نحو الاستقلال الحقيقي.
اليوم، وبعد سنوات من التضحيات، لا يزال أحمد واقفا، شامخا، يحمل في عينيه حلمًا لم يخفت، وفي قلبه وطنًا لم يُهزم. أصبح رمزا لكل من آمن أن الحرية تستحق، وأن الكرامة لا تُساوم. في دار سعد، يُذكر اسمه باحترام، وفي الجنوب يُروى كقصة لا تنتهي.
أحمد عمر التريس ليس مجرد مناضل، بل هو ذاكرة الجنوب الحية، وهو الصوت الذي لم يخفت، والنبض الذي لم يتوقف وهو الدليل أن الإرادة الحرة لا تُقهر، وأن من يحمل الوطن في قلبه، لا يمكن أن يُهزم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news