ظاهرة غير مسبوقة في الجوف — الحوثيون يورّطون النساء والأطفال في تجارة المخدرات لتمويل أنشطتهم
تشهد محافظة الجوف شمال شرق اليمن، ظاهرة خطيرة وغير مسبوقة تتمثل في تورط نساء وأطفال في عمليات تهريب وتجارة المخدرات والحشيش، في تطور وُصف بأنه “جريمة غير معهودة وخطر داهم يهدد المجتمع المحلي”، وسط اتهامات مباشرة لجماعة الحوثي بالوقوف وراء هذه الأنشطة عبر التسهيل والحماية المباشرة لشبكات التهريب.
وبحسب مصادر أمنية في الجوف، فإن الظاهرة بدأت تتوسع منذ العام الماضي، لكنها سجلت تصاعداً مقلقاً خلال الأشهر الأخيرة، مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة وغياب مصادر الدخل، ما دفع كثيراً من النساء والأطفال إلى الانخراط في شبكات التهريب كوسيلة للبقاء أو الكسب السريع، مستغلين ضعف الرقابة الأمنية والانفلات الذي تعيشه المحافظة.
انهيار معيشي يدفع الفئات الضعيفة إلى التهريب
تقول تقارير ميدانية إن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الحوثيين، وغياب فرص العمل، جعلا من تجارة المخدرات وسيلة مغرية لكثير من العائلات الفقيرة. وتشير مصادر محلية إلى أن بعض النساء يشاركن في عمليات النقل والتوزيع داخل الأسواق والمنازل، فيما يُستغل الأطفال في عمليات “التوصيل” لتفادي الاشتباه بهم من قبل النقاط الأمنية.
ويرى مراقبون أن هذا التحول المأساوي في دور المرأة والطفل داخل المجتمع القبلي المحافظ في الجوف يُعد دليلاً على حجم الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الذي أفرزته سياسات الحوثيين، مشيرين إلى أن الجماعة لا تكتفي بغض الطرف عن هذه الأنشطة، بل تسهم بشكل مباشر في تشجيعها وتنظيمها ضمن شبكات تمويل غير قانونية.
تجارة المخدرات.. مصدر تمويل علني للحوثيين
بحسب معلومات صادرة عن مدير إدارة مكافحة المخدرات في الجوف، فإن تجارة وتهريب الحشيش والمخدرات أصبحت أحد أهم مصادر التمويل لجماعة الحوثي، بل تحولت إلى وسيلة للإثراء الفاحش لقياداتها الميدانية التي تتنافس على السيطرة على طرق التهريب ومخازن التوزيع.
وأوضح المسؤول الأمني أن هناك تنافساً حاداً بين القيادات الحوثية في الجوف حول السيطرة على شبكات التهريب، حيث يقوم بعضهم بتشكيل عصابات محلية تتولى عمليات النقل والتوزيع مقابل نسبة من الأرباح. وأضاف أن عملية الإفراج عن المهربين المضبوطين أصبحت علنية، وتتم وفقاً “لقوة الوساطة والجهة الحوثية التي يتبعها المهرب”.
وأكدت تقارير ميدانية أن الحشيش وحبوب الكبتاجون — المعروفة محلياً باسم “حبوب الصرفة” — باتت تُباع بشكل علني في بعض المنازل والأسواق داخل مناطق سيطرة الحوثيين في الجوف، ما يعكس مستوى الانفلات الأمني والتورط المؤسسي في هذه التجارة المدمرة.
الجوف.. مركز رئيسي للتخزين والتهريب
وتشير المعلومات إلى أن محافظة الجوف تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى منطقة تخزين وتوزيع رئيسية للمخدرات على طول خط التهريب الممتد من شرق اليمن عبر محافظات المهرة والعبر وصحراء الجوف وصولاً إلى صعدة ومناطق الحدود مع السعودية.
وبعد استكمال الحوثيين سيطرتهم على مديريات الحزم والغيل والمصلوب مطلع عام 2020، عملت الجماعة على استقطاب عدد من أبناء تلك المديريات للانخراط في تجارة المخدرات، سواء بشكل مباشر عبر شبكاتها المحلية أو بصورة غير مباشرة عبر وسطاء.
وأكدت تقارير محلية موثقة وجود أطقم عسكرية تابعة للحوثيين تشارك في عمليات تهريب الحشيش والمخدرات بشكل علني، ما زاد من تفشي الظاهرة في أوساط الشباب والفئات الفقيرة. وأشار مدير مكافحة المخدرات إلى أن هذه الأنشطة تمثل مخططاً منظماً يستهدف النسيج الاجتماعي والقيم والأعراف القبلية في الجوف، محذراً من أن استمرارها سيقود إلى تفكك مجتمعي وانتشار الجريمة والعنف.
تمويل حربي بغطاء تجاري
ويرى محللون أن ما يجري في الجوف ليس سوى امتداد لسياسات التمويل غير القانوني التي تنتهجها جماعة الحوثي منذ سنوات لتعويض تراجع مواردها المالية بفعل العقوبات الدولية. وتشير تقارير أممية ودولية سابقة إلى أن الحوثيين يلجأون إلى تجارة المخدرات والسلاح وغسيل الأموال كمصادر بديلة للتمويل، بما يضمن استمرار عملياتهم العسكرية وتعزيز نفوذهم السياسي والاقتصادي.
ويؤكد خبراء أن هذه الأنشطة غير القانونية توفر للجماعة عوائد مالية ضخمة تُستخدم في شراء الأسلحة وتمويل الحملات الإعلامية، إضافة إلى مكافأة قادتها الميدانيين، الأمر الذي جعل من تجارة المخدرات “رافداً اقتصادياً موازياً” ضمن اقتصاد الحرب في اليمن.
دعوات لتحرك عاجل
من جانبه، دعا مدير مكافحة المخدرات في الجوف جميع المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه، مشدداً على أن هذه الظاهرة “لا تهدد الأفراد فقط، بل تمس هوية المجتمع وقيمه”.
وطالب ناشطون ومنظمات محلية السلطات الشرعية والمنظمات الدولية بالتحرك العاجل لكشف شبكات التهريب ومحاسبة المتورطين، مؤكدين أن صمت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم يمكّن الحوثيين من تحويل الجوف إلى مركز إقليمي لتجارة المخدرات.
ومع استمرار هذه الظاهرة، يبدو أن الجوف تقف اليوم أمام منعطف خطير، حيث تتداخل الجريمة المنظمة مع النفوذ العسكري والسياسي، في مشهد يعكس عمق الانهيار الأمني والاجتماعي الذي تعيشه مناطق سيطرة الحوثيين، ويهدد مستقبل أجيال كاملة في واحدة من أكثر المحافظات اليمنية هشاشة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news