ماج الشارع، وهاج الجوُّ بغضب الدهماء.
هوت في كل جهات الدنيا رايات المملكة السكرى، وترنّح زخرفها في أدغال الرأس،
ومضى الطائر بجناحي خفّاش الوهم إلى ردهات الظلمة.
هزّ صراخ الملك أبعاد الكون:
“ماذا يحدث…؟
هل أفشى البحر للنجمة أسرار الموج؟ وهل فاض النجم بسَماء الليل؟
ومن أطلق أعنّة هذه الخيل؟ وممَّن تحجب رؤيتها الشمس؟”
واحتدّ الملك بالقول الفاحش:
“اللعنة، اللعنة، من رأس المملكة المهووس بالحُكم الأبدي، حتى أخمص قدميها… على حجّاب محاوره، وجميع الجند، ونقاط التفتيش!
أين؟…
أين الأين؟
وأين جواب الأين؟
وماذا تخفي الحالمة شهرزاد من حكايات الويل الليلي ونهار اليوم المتلاطم بالأمواج؟”
كانت ممرّات القصر تلهث خلف جواب مرتبك الأصداء، والحشرات وحجّاب القصر يتخفّون عن الأنظار، فيما كان الملك الأوحد المحموم يهذي ويصرخ بصوت أعياه الغيظ:
“إئتوني بالحالمة
فإذا بصوتٍ يتهادى بدلال اللفظ:
“مهلًا… مهلًا يا مولاي، ها أنا ذا قادمة.”
جلست شهرزاد الحالمة، بعد تحيّتها المعتادة، بين يدي الملك الأوحد، على عرش حكايتها.
فإذا بالملك يسألها:
“ما أمر الدهماء؟ ماذا يحدث في مملكتي؟ وما بال الحاكم بالأمر…؟ وما… ما…؟”
وهنا بدأت شهرزاد الحالمة حكايتها في الليلة السادسة بعد الألف:
“سمعًا وطاعةً يا مولاي… تسأل: من أجّج هذا الوضع؟
أجيبك: أجّجه… أجّجه… ما تعلم يا مولاي، من أفعال الحشرات الزاحفة في خلايا الدهماء، وتلك المستوطنة في أدغال الرأس، وكل عبث الحشرات الطائرة في الأجواء الدولية والإقليمية…
لقد صار القتل يا مولاي روتينًا يوميًا، وصار النهب عادةً تمارسها الأطقم… والآن انظر يا مولاي.”
وأضافت:
“يا مولاي، وأنت الملك الأسعد بشقاوة هذه الدهماء، والأبعد عن أرغفة العيش وسقاية هذا الظمأ المترامي الأطراف… أولم تدرك بعد أنّ فساد الحاكم يقتل أسراب النحل قبل أن يتذوّق رحيق الأزهار مذاق الثغر؟
وتدرك حتمًا، يا مولاي، إلى ماذا سيقود طغيان الحاكم وهو يغتال ضحى النخلة…؟”
صمتت، ثم استدركت قائلة:
“لكن الأمر، يا مولاي…”
وأشارت بسبابتها:
“ها هي ذي، أنفاس الدهماء تتصاعد بركانًا، تتفجّر غضبًا، وتتوق لأن تحيا.”
وحين لاح فلاح الضوء، انسابت الحالمة من عرش حكايتها، تستسقي من ينبوع الدهماء حكايات الليلة السابعة بعد الألف.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news